فقوله صلى الله عليه وسلم:«من شفع لأخيه شفاعة» المراد بها: الشفاعة في الخير، وهي قد تكون واجبة؛ لأن الواجب على المسلم أن يدفع الظلم عن أخيه بقدر ما يستطيع حتى لو لم تطلب منه الشفاعة، إلا إذا علم رضا المظلوم فإنه لا يلزمه أن يشفع، لكن إذا علم أنه لا يرضى كما هو الغالب وهو يستطيع أن يشفع فالواجب عليه أن يشفع، أما إذا كانت الشفاعة في أمر ليس فيه ظلم لكن فيه حصول مطلوب فالشفاعة هنا ليست بواجبة، لكنها خير يؤجر الإنسان عليها، كما لو طلب شخص منك أن تشفع له في حصول أمر يرغب فيه وهو لا يضره شرعاً، فهنا نقول: الشفاعة سنة وفيها خير، لكن ليست بواجبة، بخلاف الشفاعة في دفع الظلم فإنها واجبة ما لم تعلم رضا المظلوم، أما الشفاعة السيئة فهي حرام، وهي من باب التعاون على الإثم والعدوان، ولا يجوز لأحد أن يشفع لأحد فيها؛ لأنه يكون معيناً له على [العدوان]، مثال ذلك: رأيت أن شخصاً قد هيئ لشغل منصب من المناصب فجاءك رجل وقال: يا أخي، أريد أن تشفع لي في حصول هذا المنصب، فهنا لا يجوز لك أن تشفع له؛ لماذا؟ لأنك بهذا تعتدي على حق السابق، والسابق أحق، اللهم إلا إذا علمت أنه ربما يولى هذه المرتبة وهو ليس لها بأهل، فحينئذٍ لا بأس أن تشفع لهذا الرجل إن كان أهلاً؛ لأنك في هذه الحال مصلح تريد أن تحول بين هذا الرجل الذي ليس بأهل وبين المرتبة التي يريد أن يشغلها.
الحاصل: أن الشفاعة في الحقيقة تكون بحسب المشفوع فيه إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
يقول صلى الله عليه وسلم:«من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية» يعني: أعطاه شيئاً في مقابل شفاعته، «فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا» المراد بذلك: الربا اللغوي، وهو الزيادة، دون الربا الشرعي، وهو الزيادة في أشياء مخصوصة؛ لأن الربا الشرعي لا ينطبق على هذا، لكن الربا اللغوي ينطبق عليه، كيف الربا اللغوي؟ لأن هذا حصل الأجر والسمعة الحسنة بالشفاعة لأخيه، فإذا قبل الهدية فذلك زيادة على ما حصله بالشفاعة، ثم إن الهدية في الغالب لا يعلم الناس بها فيظنون أن هذا الشافع محسن إحسانا محضاً فيكسب سمعة حسنة ليس لها بأهل، ويكسب المال الذي أهدى له، وهذا زيادة ورباً، هذا هو ما ينزل عليه الحديث إذا صح، أما إذا لم يصح -كما قال المؤلف- فقد كفينا إياه، ثم يقال: إن كانت الشفاعة واجبة حرم عليه أخذ الهدية؛ لأنه قد قام بواجب، ولا يجوز للإنسان أن يأخذ عوضاً مالياً عن قيامه بواجب؛ لأنه ملزم به من قبل الشرع، فكيف يأخذ شيئاً على أمر هو ملزم به، وهذا وجه آخر، لكون هذه الهدية رباً؛ أي: زيادة على ما كان يستحقه الشافع.
وقوله صلى الله عليه وسلم:«من شفع لأخيه» هل المراد: أخوة النسب، أو أخوة الدين؟ الثاني، وهو أيضاً