بيان للمزابنة؛ لان المزابنة مجرورة بـ"عن"، "أن يبيع" أي: البائع "ثمر حائطه ... الخ" هذه ثلاث صور الصورة: الأولى: أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلاً بتمر كيلاً، فيأتي شخص إلى صاحب الحائط ويقول: بعني ثمرة هذه النخلة بتمر هذه مزابنة لا تجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، والعلة في ذلك أنها بيع تمر بتمر، وبيع التمر بالتمر يشترط فيها التساوي كيلاً، ومعلوم أن التمر على النخل لا يمكن فيه الكيل، وإذا لم يمكن في الكيل فإنه لا يتحقق التساوي.
فإن قال قائل: نحن نخرصه بما يئول إليه تمره، ونقول: هذه النخلة إذا أثمرت يأتي منها خمسون صاعاً من التمر، فإذا دفع المشتري خمسين صاعاً من التمر بثمر هذه النخلة فقد قابل التمر الذي دفعه ثمر النخل بماذا؟ بالخرص.
فالجواب على ذلك أن نقول: إن الخرص ظن وتخمين، والكيل علم ويقين، ولا يمكن أن يقابل الظن والتخمين بالعلم واليقين، ولدينا قاعدة في باب الربويات وهي:"أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل"، ونحن الآن نجهل التساوي كيلاً؛ لأن الخرص ليس علماً بل هو ظن وتخمين، وكذلك أيضاً بالنسبة للعنب "إن كان كرما" أي: عنباً "أن يبيعه بزبيب كيلاً" الزبيب هو العنب المجفف، والكرم هو العنب الطري، فيكون رجل عنده شجرة من العنب وفيها عنب فيأتي إليه شخص ويقول: أنا أشتري منك عنب هذه الكرم بزبيب كما يأتي هذا العنب فيقول: يأتي إذا يبس خمسين صاعاً، فأقول: هذه خمسون صاعاً من الزبيب، فهذا مزابنة ولا يحل، وعلته ما سبق أن التساوي أو التماثل بينه وبين الزبيب مجهول، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، "وغن كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعام"، الزرع يشمل الشعير ويشمل البر، فهذا رجل عنده مزرعة يأتي منها مائة صاع فجاء إليه وقال: بعني هذه المزرعة بمائة صاع حب، الذي عبر عنه في الحديث بالطعام؛ لأنه يطعم، فنقول: هذا لا يجوز، والعلة فيه أنه بيع بر ببر أو شعير بشعير مع الجهل بالتساوي، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، هذا الحديث إذن يدخل في باب الربا.
أرأيتم لو أنه باع تمر نخله بزبيب كيلاً فهل يجوز؟ نعم يجوز؛ لأن بيع التمر بالزبيب لا تشترط فيه المماثلة، وكذلك لو باع ثمر نخله بطعام كيلاً فإنه لا بأس به؛ لأن هذا لا تشترط فيه المماثلة، وكذلك لو باع ثمر نخلة بطعام كيلاً فإنه لا بأس به؛ لأن هذا لا تشترط فيه المماثلة، لكن إذا باع تمراً بزبيب أو طعاماً ببر أو شعير فلا بد من التقابض لاشتراكهما في الكيل الذي هو علة الربا، بل في الكيل والطعام والقوت.