للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضمان إحضار صاحب الحق، فالكفالة للبدن والضمان للحق، ويظهر الفرق بينهما في مثالين المثال الأول: رجل ضمن فلاناً بألف درهم مؤجلة إلى سنة فلما حل الأجل جاء الغريم للضامن يطلب حقه، فقال الضامن: دونك المضمون خذ حقك منه، يقول: لا، ما أريد المضمون أنا أريدك أنت، يلزمه بهذا؟

نعم، الغريم يلزمه؛ لأن الضمان وارد عن الحق الذي عليه، هذا مثال. مثال آخر: رجل أقرض شخصا مائة ردهم فجاء إنسان آخر فكفله كفل الرجل، وهذا الدين لنفرض أنه مؤجل إلى سنة لما حل الأجل أتى الغريم إلى الكفيل، وقال: أعطني الدراهم التي كفلت صاحبها فقال دونك المكفول هل يبرأ الكفيل؟ نعم يبرأ، لأن الكفيل إنما التزم إحضار بدون المكفول ولم يتحمل الدين الذي عليه، فإذا أحضره برئ منه، سواء أوفى أو لم يوف، فهذا هو الفرق بين الضمان والكفالة، والكفالة كفالة من يمكن استيفاء حقه من الكفيل جائزة، كل حق يمكن استيفاؤه من الكفيل فالكفالة فيه جائزة، وكل حق لا يمكن استيفاؤه من الكفيل فإن الكفالة فيه ليست جائزة فإذا كفل شخصاً بدين يجوز أم لا؟ يجوز، لأنه لو تعذر استيفاؤه من المكفول أخذ من الكفيل، مثلا لو فرضنا أن المكفول ما حضر عند حضور الأجل فيؤخذ من الكفيل، لو كفل شخصا بحد رجل سارق أمسكناه وثبت عليه القطع، ولكن قال: أمهلوني حتى أذهب أزور أهلي وأرجع، فقلنا: ما نأمن أن تهرب، فقال رجل فقال: أنا كفيله، هل تصح هذه الكفالة؟ نقول: لا تصح، لأنه لا يمكن استيفاء الحق من الكفيل، يعني: لو تغيب المكفول الآن ما يمكن أن نقطع يد الكفيل، لأنه حد، ولو قلنا: إنها تقطع يده لزم أن تقيم الحد على من لم يجرم، وقد قال الله تعالى: {ولا تزر وازرة وز أخرى} [الأنعام: ١٦٤] وهذا هو ما دل عليه هذا الحديث مع ضعفه بناء على القاعدة التي ذكرنا وهي أن من كفل شخصا بحق يمكن استيفاؤه من الكفيل لو تعذر إحضار المكفول فالكفالة جائزة، وإن لم يمكن فالكفالة غير جائزة، لو كفل شخصا بقصاص، يعني: شخص وجب عليه القصاص فقال: زروني أذهب إلى أهلي وأوصي وأسلم عليهم وأرجع إليكم واصنعوا ما شئتم، فقلنا: لا نأمن أن تهرب، فقام رجل فقال: أنا كفيله يصح أو لا يصح؟ لا يصح، لأنه لو تعذر إحضاره لم يقتص من هذا.

فإن قال قائل: إذا تعذر القصاص فالدية، الحد معروف أنه ليس فيه بدل لكن القصاص فيه بدل.

فالجواب عن هذا أن يقال: إذا كانت الكفالة في القصاص فقط دون البدل فإنها لا تصح، وإن كانت في القصاص أو بدله؛ أي: أنه كفل موجب هذه الجناية فالكفالة صحيحة، لأنه إذا تعذر القصاص وجبت الدية.

<<  <  ج: ص:  >  >>