ومن فوائد بقية الحديث الذي لم يذكره المؤلف هنا: أنه يجوز للوكيل أن يتصرف فيما هو أحظ للموكل وإن لم يستأذن منه، لكن بشرك أن يحافظ على ما وكل فيه، دليله: أن عروة اشترى بالدينار شاتين ثم باع إحداهما بدينار ورجع بشاة ودينار، وهذا ما يسمى عند أهل العلم بتصرف الفضولي، هل هو جائز ونافذ؟ والصحيح أنه جائز نافذ إذا أجازه من تصرف له فيه، أما إذا لم يجزه فإنه يرد ووجه ذلك: أنه إذا أجازه فإنه حق آدمي رضي به فأجيز، أما إذا لم يجزه فإن الممتصرف تصرف فيما ليس له فيه حق، مثال ذلك: لنفرض أني أعلم أنك سوف تبيع سيارتك فجاء شخص وقال: من له هذه السيارة فبعتها عليه بدون أن أستأذن منك وبدون أن توكلني، ثم بعد ذلك أخبرتك بأنني بعتها، فقلت: لا بأس أنا قد أجزتك، فهل يصح بيعي؟ الصحيح أنه يصح، وذلك لأن الأصل في منعي من التصرف في هذه السيارة مراعاة حقك فإذا رضيت بذلك زال المانع، وهذا عروة البارقي رضي الله عنه لم يأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبيع الشاة الثانية، لكنه رضي الله عنه لما علم أن المقصود الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يريده حاصل إذا باع الشاة الثانية، قال: إذن أتصرف لأنها في مصلحة الموكل، أما لو تصرف على وجه لا يحصل به مقصود الموكل فإن ذلك لا يصح، مثل أني قول: خذ اشتر لي سبع ضحايا فيجد بقرة تباع فقال: أشتريها بدلاً عن السبع، فإن هذا لا يصح، لأن مقصود الموكل يفوت، فإن الأضحية بالغنم أفضل من الأضحية بالبقرة.
على كل حال: هذا الحديث يدل على جواز تصرف الفضولي بشرط أن يجيزه ويمضيه، ولكن لو كان هذا التصرف يحتاج إلى نية مثل أن يؤدي عنه زكاة شخص يعرف أن هذا الرجل الغني عنده زكاة فمر به فقير يعرف حاله تماماً فأعطاه دراهم ينويها زكاة عن التاجر، والتاجر لم يوكله فهل يجوز ذلك؟ في هذا خلاف، فمن العلماء من قال: لا يجوز، ومنهم من قال: إنه جائز، واستدل من قال بالجواز بفعل أبي هريرة رضي الله عنه؛ حيث جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقة الفطر، فجاءه ذات ليلة رجل هو الشيطان على صورة رجل وأخذ من التمر فأمسكه أبو هريرة، وقال لأخبرن عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فادعى هذا الرجل أنه فقير وذو عيال، فرق له أبو هريرة وأطلقه، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:«ما فعل أسيرك البارحة» قال: يا رسول الله ادعى أنه ذو حاجة وعيال فأطلقته وقال: إنه لن يعود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «كذبت وسيعود» معنى «كذبك» يعني: كذب عليك، يعني: سيعود- فلما كانت الليلة الثانية ترقبته وعلمت أنه سيعود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه سيعود، فجاء هذا فأخذ من التمر فأمسكه أبو هريرة وقال: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تفعل، وادعى أنه ذو حاجة وعيال فرق له أبو هريرة