فأشكل هذا على العلماء: هل معناه أن علي بن أبي طالب سأل النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه كما جاء في بعض الروايات أنه سأل بنفسه، أو أن المعنى أن المقداد لما سأله قال:"اغسل ذكرك" لأن عليا هو الذي يروي الحديث الآن، والذي يروي الحديث سيحكي عن نفسه كأنه هو السائل، وإلا من المعلوم ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوجهه إلى المقداد على أنه هو المصاب بهذا، إنما وجهه إلى علي بن أبي طالب باعتبار أن عليا هو الذي رواه فكأنه نقله بالمعنى، أما إذا قلنا:"يغسل ذكره"، فلا إشكال لأن المقداد قد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يكون مذاء فماذا يصنع؟ فقال:"يغسل ذكره"، وقوله:"يغسل ذكره" معلوم أن الذكر يطلق على جميع القصبة ليس على ما أصابه المذي فقط، وإلا لقال: يغسل ما أصابه، بل قال:"يغسل ذكره".
وفي رواية في غير الصحيحين:"وأنثييه". يعني: خصيتيه، فعلى هذا يغسل الذكر والأنثيين، كل الذكر.
"قال فيه الوضوء" يعني: يغسل ذكره ويتوضأ، وفي بعض الألفاظ:"توضأ واغسل ذكرك". الآن الحديث في بيان حكم المذي هل ينقض الوضوء أو لا؟ ينقض الوضوء، ففي هذا دليل واضح على أنه ينقض لقوله:"فيه الوضوء، ولكن يقال: إذا كان الذكر يمذي دائما لأن بعض الناس يبتلى بهذا بأن يكون كل ما تذكر - ولو يسيرا- أمذى وهو لا يستطيع أن يعالج نفسه من التفكير فإنه يلحق بسلس البول إذا كان لا يستطيع منعه.
هذا الحديث فيه فوائد متعددة: منها: جواز إخبارالإنسان عن نفسه بما يستحيا منه للحاجة، يؤخذ من قوله: "كنت رجلا مذاء" لأن هذا يستحيا منه عادة لكن إذا كان فيه مصلحة فلا بأس ولا يلام عليه الإنسان.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز التوكيل في الاستفتاء؛ لأن عليا وكل المقداد أن يستفتي عنه في هذه المسألة.
ومن فوائده: جواز خبر الواحد في الأمور الدينية؛ وذلك لأن عليا إنما وكل المقداد من أجل أن يأخذ بما يخبر به، ويتفرع على هذا وجوب الأخذ بخبر الواحد.
فإن قال قائل: وهل خبر الواحد يوجب العلم؟ قلنا: لا، لكن العمل أقل من العلم بمعنى أنه قد يجب العمل بما لا يفيد العلم؛ لأن الظن في العمل كاف فمثلا الواحد لا يفيد خبره العلم، بمعنى أنه إذا أخبرك لا يمكن أن يكون في قلبك علم يقيني، لكن في الأحكام يجب العمل به بخبر الواحد.