فقال: لأنها صفة الرحمن فأحبُّ أن أقرأها. فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «أخبروه أن الله يحبه»، ولم يُنكر عليه بل أقره فهل نقول: يُشرع لكل مصلِّ أن يختم صلاته بقل هو الله أحد؟ لا، لأن ذلك ليس من هدي الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ولا أمر به، لكن لو فعله فاعل لم ننكر عليه، فهذه ثلاثة أمثلة.
هذا الحديث الذي فيه أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أقرَّ الرجل أن يتصدق عن أمه، ولكن لم يأمر أمته بذلك، وحديث عائشة، وحديث صاحب السرية، حديث سعد بن عُبادة أيضًا كان له نخل بستان فسأل النبي (صلى الله عليه وسلم) أيتصدق به عن أمه، وكانت قد ماتت، فأذن له، وبهذا نعرف أنه لا يُشرع لإنسان أن يتصدق بالصدقة عن الميت أو يوقف له وقفًا، لكن لو فعل فإن ذلك ليس بممنوع، فالمراتب ثلاث: مشروع، وجائز، وممنوع، لو لم ترد السُنة بإقراره لكان ممنوعًا وبدعة، ولو وردت السُّنة بالأمر به ونُدب الناس إليه، لكان مشروعًا وسُنة، ولما أقرت السُّنة فعل من فعله، ولكن لم تأمر الناس به كان جائزاً هو قربة لمن فعله.
في هذا الحديث إشكال من الناحية الإعرابية وذلك في قوله:«أظنها لو تكلمت تصدقت»؛ لأن من المعروف أن «أظن» تنصب مفعولين فأين مفعولاها الآن؟ ويوجد إشكال آخر «لو تكلمت تصدقت»، فمعروف أن جواب «لو» إذا كان مثبتا يقرن باللام، لو تكلمت لتصدقت، فماذا نقول؟ هو ليس بواجب، والدليل من القرآن {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا}[الواقعة: ٧٠].
هل الدعاء للميت أفضل أم إهداء العبادة له أفضل؟ الدعاء أفضل، ودليله أن النبي (صلى الله عليه وسلم)
لما سأله رجل عن بر والديه بعد موتهما لم يذكر الصدقة عنه، وإنما ذكر الدعاء.
دليل آخر: قول النبي (صلى الله عليه وسلم): «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، فهنا قال:«أو ولد صالح يدعو له» مع أن السياق في باب العمل «انقطع عمله»، فلو كانت أعمال الشخص عن غيره أفضل من الدعاء له لذكرها النبي (صلى الله عليه وسلم) في هذا الحديث.
فإذا سألنا سائل: أيهما أفضل أن أتصدق لأبي أو أدعو الله أن يغفر له؟
قلنا: الثاني أفضل، والأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) دعوا لآبائهم، قال نوح:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا}[نوح: ٢٨]. لكن إبراهيم بعد ذلك تبرأ من أبيه لما تبين له أنه عدو لله، وبهذا نعرف أن أبوي نوح كانا مؤمنين، وأن أبا إبراهيم لم يكن مؤمنًا، وأم إبراهيم مؤمنة؛ لأنه دعا بالمغفرة ولم يُنكر عليه ولم يتبرأ منها.