ولهذا نجد أن اللين يباركون للمتزوج لا يخطر في بالهم أن يُبارك له في ماله، وإنما يقصدون أن يبارك له في أهله، فإذن يمكن أن نقول: إن العموم هنا لا يُراد وإن كان اللفظ صالحا له؛ لأن قرينة الحال تقتضي تخصيصه.
«وجمع بينكما في خير» أي: بينك وبين أهلك في خير ديني ودنيوي، فيشمل كل ما يمكن من الخير، فهذه ثلاث جمل:«بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير».
ترفئة الجاهلية كم؟ اثنتان قاصرتان لفظا ومعنى، ومن العجب أن بعض السفهاء منا إذا رفا أحدا قال: بالرفاء والبنين عودًا على الجاهلية، ومثل هذا لا يجوز، لأن استبدال اللفظ الإسلامي الذي وضعه النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى لفظ جاهلي منسوخ يدل على رغبة الإنسان عن السنة لكن الغالب على هؤلاء أنهم جهال لا يعرفون ما قاله الرسول (صلى الله عليه وسلم) ولا يدركون خطورة إرجاع الناس إلى الجاهلية فهذا خطر عظيم، ولهذا يجب أن تمُحي كل ما يتعلق بأمور الجاهلية مما لا يقره الإسلام، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية».
إذن في هذا الحديث بحث:
أولاً:«بارك الله لك»، هل هو خبر أو إنشاء؟ خبر بمعنى الإنشاء؛ لأن «بارك» فعل ماض، لكن لا يراد الخبر، يُراد الطلب، أي: أنك تسأل الله أن يبارك له وعليه.
ثانيا: هل يشرع هذا القول للرجل وللمرأة؟ قلنا: بالنسبة للرجل لا شك فيه، وأما بالنسبة للمرأة فقد يُقال: إنه مشروع من النساء.
ومن فوائد الحديث: أنه يُشرع قوله لمن تزوج، أما من خطب فلا يُشرع له.
ومن فوائده أيضًا: أنهُ يُقال لمن تزوج وإن لم يحصل الدخول؛ لأن الإنسان بمجرد العقد يصبح زوجا للمرأة، والمرأة زوجة له، لو مات ورثته ولو ماتت ورثها فيُدعى له بالبركة.
ومن فوائد الحديث: أنه لا تشرع المصافحة عند الترفئة، الدليل عدم الدليل، لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يكن يفعله ولو كان يفعله لنقل مع القول؛ لأنه يبعد أن الصحابة يعقلون سنة جُمعت إلى سنة أخرى، يعني: يبعد أن الرسول كان يُصافح ويقول هذا الذكر ثم يُنقل هذا الذكر، ولا تُنقل المصافحة؛ ولأن المصافحة لا وجه لها في هذه الحال، إنما المصافحة تكون عند الملاقاة والسلام، يتفرع على هذه الفائدة: أن التقبيل أيضًا أبعد وأبعد خلافا لعُرف الناس اليوم، حيث إنه يُصافح ويقبل، وربما ضم ضمة يتنفس متها الصعداء، على كل حال: هذا ليس بمشروع لا المصافحة ولا التقبيل.