معروف وهو - أعني: الاغتسال- أن يعم بدنه بالماء، ومنه المضمضة والاستنشاق؛ لأن الأنف والفم من الوجه.
"ومن حمله فليتوضأ""من حمله" قيل: من أراد حمله، وأطلق الفعل على الإرادة؛ لأن ذلك مستعمل في اللغة العربية كثيرا مثل قوله تعالى:{يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلوة}[المائدة: ٦]. يعني: إذا أردتم القيام إليها، وكحديث أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: "أعوذ بالله من الخبث والخبائث". وهذا كثير، فقيل:"من حمله" أي: من أراد حمله "فليتوضأ"، وذلك من أجل أن يكون متهيئا للصلاة عليه، وقيل: من حمله فعلا فليتوضأ، وحمل الوضوء على هذا الوجه حمل الوضوء على الوضوء اللغوي وهو النظافة، وأيضا "فليتوضأ" أي: فلينظف يده لمباشرتها لحمل الميت لكن هذا فيه نظر؛ لأن يديه وإن حملت الميت وباشرت الميت طاهرة لا تحتاج إلى أن تغسل الأيدي منها.
"أخرجه أحمد والنسائي، والترمذي، وحسنه، وقال أحد: لا يصح في هذا الباب" يعني: باب الوضوء، أو في هذه المسألة؟ الثاني هو المراد؛ يعني: لا يصح في هذه المسألة شيء، وإذا كان لا يصح بطل العمل به؛ لأنه من شرط العمل بالحديث أن يكون صحيحا أو حسنا، وإذا لم يكن صحيحا ولا حسنا فلا يعمل به.
أما فوائد هذا الحديث: ففيه وجوب الاغتسال على من غسل ميتا صغيرا كان أو كبيرا؛ لظاهر الأمر لقوله:"فليغتسل"، لكن نقل بعضهم الإجماع على أنه لا قائل بالوجوب، يعني: على أن العلماء أجمعوا أنه ليس بواجب الاغتسال من تغسيل الميت، وعلى هذا فيكون مستحبا وليس بواجب، لكن هل نقول هذا على تقدير صحة الحديث، أو نقول كما ذهب إليه صاحب النكت أن الحديث إذا كان ليس بحجة - يعني: ضعيف- ما يصل إلى درجة الاحتجاج فإنه يحمل الأمر فيه على الاحتياط والاستحباب، وإذا كان نهيا حمل على الكراهة احتياطا لاحتمال أن يكون حجة.
ومن فوائد هذا الحديث: مشروعية تغسيل الأموات لقوله: "من غسل ميتا فليغتسل"، وجه المشروعية: أنه رتب على هذا الاغتسال حكما وشرعيا، ولو كان الاغتسال غير مشروع لم يترتب عليه شيء.
ولكن من يباشر تغسيل الميت؟ الرجل يباشر تغسيل الرجال، والمرأة تباشر تغسيل النساء، إلا الزوجين فإنهما لا بأس أن يغسل أحدهما الأخر، وكذلك الرجل مع سيرته لعموم قوله تعالى:{والذين هم لفروجهم حفظون إلا على أزوجهم أو ما ملكت أيمنهم}[المؤمنون: ٥، ٦].