(٩٣٢) - وَلِمُسلم: عَنْ أَي هُرَيْرَةً (رضي الله عنه): أنّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ لِرَجُل تَرَوّجَ امْرَأة: أنظرت
إليها؟ قَالَ: لا. قَالَ: اذَهَب فانظر إليها».
«تزوج» يعني: أراد الزواج؛ لأنه لو كان قد تزوجها بالعقد لم يكن للنظر إليها حاجة، ولكن المراد: أراد أن يتزوجها.
قال:«أنظرت إليها؟ »، قال: لا، قال:«اذهب فانظر إليها»، وهذا يدل على ما رجّحناه في الحديث الأول أن الأمر للاستحباب والإرشاد، وأنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يتزوج امرأة أن ينظر إليها، ولاسيما إذا كانت من قوم ليسوا بذاك الجمال أو من قوم يكون فيهم نقص في أعينهم أو في أنفهم أو في أفواههم، فإن النظر هنا يكون آكد من النظر إلى المرأة التي تكون من قوم فيهم الجمال وفيهم السلامة من العيوب.
فإذا قال قائل: إذا كنت لا أستطيع أن أنظر إليها فماذا يصنع هل يجزئ عن نظري نظر غيري؟
الجواب: نعم، لكن نقول: إن لم يمكن أن تنظر بنفسك فأوص من ينظر مثل أن يكون بينك وبين أخيها أو غيره من محارمها صلة قوية فتطلب منه أن ينبئك عن صفاتها، أو أن ترسل أحدا من النساء اللاتي تثق بهن حتى تنظر ثم تخبرك، ولكن لابد أن تكون المرأة المرسلة ثقة؛ لأن بعض النساء تكون غير ثقة، فإذا ذهبت للخطبة ودس إليها أهل المرأة ما يدسون جاءت إلى الخاطب، وقالت: رأيت البدر وهي لا تصلح!
وحدثنا حديثًا عن بعض الإخوان الذينَ عندهم سلامة قلب أنه تزوج ذات يوم ولكن المرأة لما دخل عليها لم تُعجبه، فلما جاء إلى المسجد وكان يتكلم أحيانا يعظ الناس، قال في جملة كلامه: احذروا هؤلاء الخطيبات -يعني: اللاتي يخطبن- فإنها تأتيك، وتقول: عيونها كذا ووجهها كذا وكذا يعني: كبيرا وجميلاً، فإذا دخلت عليها وجدتها هرة مُكفهرة، فلابد من إرسال امرأة ثقة لئلا تغتر.
فإذا قال قائل: حَتى لو أرسلت امرأة ثقة، فإن الأعين تختلف والرغبات تختلف، وكم من امرأة جميلة عند شخص وهي عند آخر ليست بجميلة.
قلنا: صحيح ولكل نفس مذاق، ولكن إذا لم نستطع الأكمل، فهذا خير من العدم، على كل حال: هذا الحديث يُضاف إلى ما سبق ويكون شاهداً له.