للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمها مرة أو ثلاث مرات هذا من النكاح الفاسد؛ لأن العلماء اختلفوا في الرضاع المحّرم.

المهم: أن كل ما اختلف العلماء فيه فإنه يُسمّى نكاحًا فاسدًا، ويفرق بينه وبين الباطل بأن الباطل لا أثر له، وأن الفاسد حكمه حكم الصحيح إلا في وجوب الفراق، فإن الفاسد يجب فيه التفرق، والصحيح لا يجب، أو في الإرث والصحيح فيه إرث، وربما يكون في مسائل أخرى، على كل حال: المشهور من مذهب الحنابلة أنه لا فرق بين الفاسد والباطل إلا في موضعين الحج والنكاح، الحديث يدل على أن الفاسد يُسمّى باطلاً، لأن الحديث إذا وقعت الصورة المذكورة فيه فقد كان العقد مختلفًا في صحته وهو على قاعدة الفقهاء يوصف بأنه فاسد، والنبي (صلى الله عليه وسلم) وصفه بأنه باطل، فدل هذا على أنه لا فرق في لسان الشرع بين الفاسد والباطل.

ومن فوائد الحديث: أنه لو فارق المرأة التي تزوجها بلا ولي قبل الدخول بها فليس لها مهر أو فلا تستحق المهر كاملاً لقوله: «فإن دخل بها فلها المهر»، فمفهومه أنه إن لم يدخل بها فليس لها مهر، ولكن هل تستحق نصفه بالخلوة؟ أي: خلا بها بدون جماع؟ نقول: في هذا خلاف بين أهل العلم، منهم من قال: إنها تستحق نصف المهر للشبهة، ومنهم من قال: إنها لا تستحق، وبناء ذلك على أنه هل العبرة بما في ظن المكلف أو العبرة بما في واقع الأمر؟ إن قلنا: العبرة بما في ظن المكلف كان لها نصف المهر، وذلك لأن الزوج والزوجة في هذا العقد يعتقدان أنه صحيح فيعاملان بما يعتقدان، وإن قلنا: العبرة بواقع الأمر فإنه ليس لها شيء من المهرة لأن واقع الأمر يقتضي أن هذا العقد وجوده كعدمه، ولذلك لا يترتب عليه الإرث، أما إذا جامعها فإن الحديث صريح في أن لها المهر كاملاً لأنه جامعها يعتقد أنها امرأته وأنها حلال له؛ ولهذا قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «فلها المهر بما استحل من فرجها»، والأقرب أنه إذا خلا بها فإن لها نصف المهر؛ لأنه استحل منها ما لا يستحله إلا الزوج بناء على صحة العقد على ما في ظنهما.

ومن فوائد الحديث: أن الأولياء إذا اختلفوا فإن السلطان يكون وليا لها لقوله: «فإن اشتجروا فإن السلطان يكون وليا لها»، ولكن هل مقتضى هذه الولاية أن يتولى العقد بنفسه أو أن يقول لمن أراد أن يزوجها: زَوجُها، أو لمن أراد ألا يزوجها: لا تزوجها؟ الثاني هو الأصح، يكون وليًا، يعني: يتولاها ويحكم بين المتشاجرين، فان امتنعوا كلهم عن التزويج فحينئذ تنتقل الولاية إلى السلطان، مثال الأول الذي قُلت إنه يحكم بينهم: خطبت امرأة خطبها رجل

<<  <  ج: ص:  >  >>