للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحجامة توع من أنواع الدواء كما ثبت عن النبي - عليه الصلاة والسلام-: "إن كان الشفاء في شيء ففي ثلاث" وذكر منها "شرطة محجم". يعني: الحجامة، والحجامة لا شك أنها تخفف البدن، وأن من اعتادها فإنه لا يمكن أن يخف بدنه إلا باستعمالها، وأما من لم يستعملها أصلا فإنه لا يتأثر بعدمها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحتجم أحيانا في رأسه، وأحيانا على كاهله حسب ما تقتضيه الحاجة.

وقوله: "احتجم وصلى ولم يتوضأ" يعني: لم يتوضأ للصلاة، وأتى المؤلف رحمه الله بهذا الحديث ليفيد أن إخراج الدم من البدن لا ينقض الوضوء، ومعلوم أن الحجامة يخرج بها دم كثير، لكن هذا الدم وإن كان كثيرا لا ينقض الوضوء، دليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ.

في هذا الحديث فوائد منها: استعمال الحجامة، وهل هو جائز أو مستحب أو حرام؟

نقول: هاذ الحديث يدل على جوازه، فيبقى الأمر دائرا بين أن يكون مستحبا أو أن يكون حائزا على وجه الإباحة؛ يعني: مستوى الطرفين، فنقول: إذا كان الإنسان يحتاج إليه كان مستحبا اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يحتج إليه نظرنا إن كان يضره إخراج الدم كان حراما، وإن كان لا يضره كان مباحا.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الحجامة لا تنقض الوضوء لقوله: "احتجم وصلى ولم يتوضأ"، وهل يقاس عليها ما يخرج من الجروح من الصديد والماء وما أشبه ذلك؟

الجواب: نعم، يقاس عليها وأولى؛ لأن كثيرا من العلماء يقولون: عن دم الآدمي نجس، وإن الصيد الذي يخرج من جروحه ليس بنجس؛ لأنه استحال إلى صديد، وعلى هذا نقول: يلحق بها ما يخرج من الجروح من الصديد والمياه التي تخرج بسبب الاحتراق وما أشبه ذلك.

وهنا سؤال: هل نحتاج على ذكر أن الحجامة لا تنقض الوضوء؟ لا نحتاج؛ لأن الأصل بقاء الطهارة، والذي يقول: إنها تنقض الوضوء هو المطالب بالدليل، ولكن إذا جاء الدليل مؤيدا الأصل كلن هذا نورا على نور.

فيستفاد من هذا الحديث: أن خروج الدم وإن كان كثيرا لا ينقض الوضوء، وهذا القول هو الراجح، وذهب بعض العلماء إلى أنه إذا كان كثيرا نقض الوضوء، وإن كان قليلا لم ينقض وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة - رحمهم الله-، ولكن هذا القول مرجوح، والصواب: أن

<<  <  ج: ص:  >  >>