للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالزنا وتمارس الزنا، فكأنه يقول: الزاني لا يزني إلا بزانية، فأي فائدة في هذا؟ هذا كما يقال: «الأرض تحتنا والسماء فوقنا، والآكل للخبز آكل للخبز» هذا ليس فيه فائدة، ولهذا كان القول الصحيح: أن معنى الحديث ومعنى الآية: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: ٣]. {لا يَنكِحُ} لا يتزوج إلا زانية، لا يتزوج إلا زانية أو مشركة كيف ذلك؟ نقول: الزاني لا ينكح إلا زانية، إذا كان نكاح الزاني لامرأة عفيفة حراماً فهذه المرأة العفيفة إذا تزوجها الزاني فإما أن تكون عالمة بالتحريم المستفاد من قوله تعالى: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ولكنها رفضت التحريم وقالت: ليس بحرام ولم ترض به حكماً وحينئذ تكون مشركة؛ لأنها تعتقد أن هذا الرجل جامعها بعقد حلال؛ حيث إنها لم تقتنع بالتحريم، والذي لا يقتنع بحكم الله كافر مشرك، وإما أن توافق على الزواج به وهي تعترف أنه حرام ولكنها لا تبالي بالحرام فتعتقد أنه جامعها جماعاً محرماً بغير عقد صحيح وحينئذ تكون زانية، حمل الآية على هذا المعنى لا يحتاج إلى تكلف ولا يحتاج إلى تأويل مستكره واضح جداً، فنقول: إذا تزوج زان بعفيفة فإما أن تكون راضية بحكم الله بالتحريم فتكون زانية؛ لأنها تعتقد أن هذا النكاح غير صحيح محرم فيكون وطاها بغير نكاح وهذا هو الزنا، وإما أن ترفض الحكم ولا تعترف به وحينئذ تكون مشركة، لأنها رفضت حكم الله واختارت حكماً ترضاه هي فجعلت نفسها شريكة مع الله في الحكم والتشريع وهذا الذي ذهب إليه ابن القيم، وأظن أنه سبقه شيخه ابن تيمية رحمة الله وهو قول ظاهر جداً. أما حكم المسألة فيقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله» المجلود في الزنا، وإنما قال: «المجلود» من أجل تحقق الزنا، يعني: الذي ثبت زناه فجلد، «لا ينكح إلا مثله» أي: إلا زانية، ووجهه كما قلنا: إنها عالمة بتحريم النكاح ولكنها مرتكبة للمحرم فتكون زانية مثل هذا الزاني، فعلى هذا يكون الحديث دالا على أنه لا يجوز أن يزوج الزاني حتى يتوب من الزنا، فإن طرأ عليه في النكاح، يعني: كان عفيفا وزوجناه ثم انحرف وصار يزني يذهب إلى البلاد الأجنبية ويزني فهل ينفسخ نكاحه؟ لا، لماذا؟ لأن الاستدامة أقوى من الابتداء. فعلى هذا نقول: الزاني لا يزوج حتى يتوب، ولو زنى بعد الزواج فإن النكاح لا ينفسخ: {وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: ٣]. نقول في قوله تعالى: {إِلاّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} كما قلنا في قوله: {إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} فهذا الذي تزوجها إما أن يكون راضيا بحكم الله وهو يعتقد بأنه مرتكب للحرام فيكون زانيا أو يكون غير راض بحكم الله ويرى أنه لا بأس أن يتزوج الزانية

<<  <  ج: ص:  >  >>