للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبهم لا يحتاج إليه؛ لأن المقصود الحكم، ربما يحتاج إليه ليعرف هل هذا ناسخ أو لا؟ لكنه ليس ضرورياً في أكثر الأشياء. يقول: «فلما قدمنا المدينة ذهبنا لندخل»، «قدمنا» أي: قاربنا بدليل قوله: «ذهبنا لندخل»؛ وذلك لأنه لا يتحقق القدوم إلا بالدخول، فلما قال: «ذهبنا لندخل» علمنا أن المراد يقوله «قدمنا» أي: قاربنا، وقد سبق لنا مراراً أن اللغة العربية يطلق فيها الفعل على إرادته أو على قربه، وهذا من سعة اللغة، فقال «أمهلوا» أي: انتظروا وأعطوا أهلكم مهلة، «حتى تدخلوا ليلاً» يعني: عشاء، يعني: ليس ليلاً في آخر الليل أو في وسط الليل، بل في أول الليل، لأن العشاء يكون في أول الليل عند مغيب الشفق الأحمر، ثم علل قال: «لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة»، الشعثة: التي صار رأسها أشعث، لأن المرأة إذا لم يكن عندها زوج لا تهتم بنفسها ولا تتجمل، اللهم إلا ذهبت إلى زيارة أحد من الناس، فإذا كان الزوج عندها وكانت تحبه فإنها لاشك سوف تتجمل له في شعرها وثيابها أو غير ذلك، وإن كانت لا تحبه فالأمر بالعكس إذا كان رأسها ممشوطاً وأحست بقدومه شعثته، إذا كان ثياب لا بأس بها غيرتها، على كل حال: الغالب -الحمد لله- على النساء أنهن يرغبن في أزواجهن وإذا أحست أنه سيقدم فإنها تمتشط، والاستحداد معناه: إزالة ما ينبغي إزالته من الشعر كالإبط والعانة ويلحق بذلك الأظفار وشبهها، المهم: أنها تزيل ما ينبغي إزالته من الشعور، كل ذلك من باب التجمل لزوجها والتنظف له. وفي رواية للبخاري: «إذا أطال أحدكم الغيبة» وهذا تصريح بما يفهم من الحديث الأول عن طريق اللزوم، لأن قوله: «لكي تمتشط الشعثة» يدل على أن الغيبة طويلة أدت إلى شعث المرأة، وكذلك «تستحد المغيبة» يدل على طول الغيبة، ولكن لا شك أن ما دل باللفظ أدل مما دل على سبيل اللزوم، فيكون تصريح البخاري بهذه الرواية تصريح بما يفهم من طريق اللزوم من اللفظ الأول، قال: «فلا يطرق أهله ليلاً»، الطارق هو الآتي ليلاً، ومنه قوله تعالى: {وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ} [الطارق: ١]. النجم الذي يظهر في الليل، فالآتي ليلاً هو الطارق، ومعنى «يطرق أهله ليلاً» كلمة «ليلاً» من باب التوكيد؛ لأن الطرق هو الإتيان ليلاً، وربما يطلق الطرق على مطلق الإتيان، وعلى هذا فيكون قوله: «ليلاً» من باب التأسيس وليس من باب التوكيد، لأننا إذا جعلناه من باب التوكيد صار يعني أنه يمكن الاستغناء عنه، وإذا جعلناه من باب التأسيس فإنه لا يستغني عنه، وإذا فرضنا أنه لا يكون الطرق إلا ليلاً: نقول إن ذكر التوكيد هنا لإزالة الاحتمال، وما هو الاحتمال؟ احتمال أن يكون الطرق هو الإتيان نهارا. يستفاد من هذا الحديث: أن من هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) مشاركته في الغزوات هو نفسه يشارك في الغزوات لقوله: «كنا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) في غزوة»، وقد شارك (صلى الله عليه وسلم) في تسع وعشرين غزاة قاتل فيها (صلى الله عليه وسلم).

<<  <  ج: ص:  >  >>