للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مخصوص، أما العام الذي أريد به الخصوص فهو من الأصل لم يرد فيه العموم إنما أريد به الخاص، ولهذا لا يستثنى منه بخلاف الأول العام المخصوص يدخله الاستثناء، والعام الذي أريد به الخصوص لا يدخله الاستثناء؛ لأنه لم يرد به العموم من الأصل، ومن ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: ١٧٣]. «الناس» عام أريد بها خاص؛ لأن ليس كل الناس من مشارق الأرض ومغاربها جاءوا يخبرون النبي (صلى الله عليه وسلم) بأن الناس قد جمعوا له، والمراد بالناس الثانية: خاص ليس كل الناس قد جمعوا؛ إذن هذا عام أريد به الخاص، والفرق أن العام المخصوص أريد به أولاً العموم ثم أخرج بعض الأفراد، والعام المراد به الخصوص لم يرد به العموم أصلاً وإنما أريد به ذلك المعنى الخاص، فهنا قوله (صلى الله عليه وسلم): «إن شر الناس عند الله» لا شك أنه لا يراد به العموم، لأن هذا الذي ذكره النبي (صلى الله عليه وسلم) يوجد من هو شر منه، فالمشركون والملحدون والجاحدون أشر من هذا، فهو إذن عام أريد به الخصوص. إذن ما المراد به؟ أي: شر الناس في إفشاء السر من يفضي هذا السر المذكور، وليس على سبيل العموم حتى على رواية: إن من شر الناس لا يراد به العموم، وإلا من شر الناس الذين من هذا الجنس الذين يفشون السر. وقوله: «عند الله منزلة يوم القيامة» يعني: إذا كان يوم القيامة فإن الناس درجات عند الله كما قال تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [آل عمران: ١٦٣]. فهذا الذي ذكره النبي (صلى الله عليه وسلم) يكون عند الله من شر الناس منزلة، وقوله: «الرجل» هذه خير «إن»: لأن الراجح من أقوال النحويين أن النواسخ تعمل في المبتدأ أو الخبر، أما النواسخ التي تنصب الجزأين فالأمر ظاهر، «ظن وأخواتها» تنصب جزأين، وأما التي ترفع أحد الجزأين فهذه بعض العلماء يقول: ما بقي على الرفع فليس للأداة فيه عمل كخبر «إن» واسم «كان»، وما تغير فهو الذي أثر فيه العامل، ولكن الصحيح أنه يؤثر في الجميع؛ إذن «الرجل» خبر «إن». «الرجل يفضي»، الإفضاء قال بعض العلماء: هو الجماع، وقال آخرون: بل هو الخلوة ولو بغير جماع، يقال: أفضى إليه بكذا، أي: جعله أمراً خاصاً بينه وبينه، قال الله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: ٢١]. وهذا المعنى الثاني أعم من الأول. وقوله: «إلى امرأته» المراد بذلك: الزوجة «وتفضي إليه ثم ينشر سرها» يعني: ينشر ما أسرت إليه في هذا الإفضاء ينشره بين الناس سواء بين عامة الناس أو بين خاصتهم حتى ولو كان عند أبيه أو أمه فإن هذا يدخل في الحديث. في هذا الحديث فوائد: أولاً: تحريم هذا العمل أن ينشر الإنسان السر الذي بينه وبين زوجته، مثل أن يقول: جامعتها على صفة كذا، أو لما جامعتها صاحت، أو ما أشبه ذلك من الأشياء

<<  <  ج: ص:  >  >>