للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله رضي الله عنه: "إذا دخل الخلاء" أي: أراد دخوله، والتعبير بالفعل عن النية الجازمة التي يكون الفعل منها قريبا شائع في اللغة العربية، قال الله تعالى: {فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله} [النحل: ٩٨].

أي: إذا أردت أن تقرأ بإرادة جازمة قريبة من الفعل فإنه يطلق الفعل على ذلك فيقول: "إذا دخل الخلاء" أي: إذا أراد الدخول عند دخوله، و"الخلاء" اسم للمكان الذي يتخلى فيه الإنسان، أي: يقضي حاجته، وسمي بذلك؛ لأن الإنسان يخلو به عن الناس ويستتر به عن الناس، قال: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" "اللهم" يقول النحويون إن أصلها: يا الله؛ ولهذا بنيت على الضم "الله"، وأن الميم عوض عن الياء المحذوفة، واختير أن تتأخر تيمنا بالبداءة بذكر اسم الله واختيرت الميم؛ لأنها أدل على الجمع من غيرها، فكأن الإنسان جمع قلبه على ربه عز وجل فسأله، هذا من حيث تصريف هذه الكلمة، أما معناها فمعناها: يالله، إني أعوذ بك، "أعوذ" أي: أعتصم بك، ويقال: عاذ بالشيء، ولاذ بالشيء، والفرق بينهما: أن العوذ مما يذكره، واللياذ مما يجب، فتقول: لذت بفلان ليقضي حاجتي، وتقول: عذت بفلان من شر فلان مثلا وفلان المستعاذ به حي يستطيع أن يدافع عنك، فصار الفرق بين اللياذ والعياذ: العياذ مما يكره، واللياذ فيما يحب، وعلى هذا قال الشاعر: [البسيط]

يا من ألوذ به فيما أؤمله ... ومن أعوذ به مما أحاذره

لا يجبر الناس عظما أنت كاسره ... ولا يهيضون عظما أنت جابره

"أعوذ بك من الخبث والخبائث" هذا المستعاذ منه وفيها وجهان:

الوجه الأول: الخبث. والوجه الثاني: الخبث، أما: الخبائث" فهي وجه واحد، فعلى وجه التسكين يكون المراد بالخبث: الشر، والخبائث: النفوس الشريرة، وعلى وجه الضم الخبث تكون جمع خبيث، ويكون المراد بالخبث: ذكران الشياطين، وبالخبائث: إناث الشياطين، وإذا قارنا بين الوجهين وجدنا أن الوجه الأول أعم وأشمل، وأن الوجه الثاني أخص بالمكان؛ وذلك لأن الخلاء موضع أو مكان الشياطين، فالمساجد بيوت الله عز وجل ومثوى الملائكة، وأما الخلاء فإنه مأوى الشياطين إذن أيهما؟ أقول: ما دام كل واحد منهما يترجح من وجه فماذا أقول؟ أختار أن نأخذ بالأعم "من الخبث والخبائث فإذا أردت أن تدخل الخلاء فقل: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث"، والمناسبة ظاهرة جدا؛ لأن الخلاء مأوى الشياطين وأهل الشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>