كاملة على الأكل وحينئذٍ يملأ بطنه, وملء البطن من الطعام خلاف ما ينبغي, لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «وحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه». هناك صفة ثالثة عند ابن القيم في "زاد المعاد" وهي التربع يقول: إن هذا من الاتكاء لأن فيه شيئاً من الراحة التي توجب أن يأكل كثيراً وهو خلاف السنة إلا في بعض الأحيان لا بأس أن يأكل الإنسان كثيراً.
يستفاد من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم يكره الأكل متكئاً, ولكن هل هذا بمعنى النهي بحيث نقول: أن الاتكاء عند الطعام منهي عنه إما نهي كراهة وإما نهي تحريم؟ الذي يظهر لي أنه لا يقتضي النهي وإنما يقتضي أن يكون ذلك من الآداب التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحاشاها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لو أراد النهي لصرح به, لقوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك} [المائدة: ٦٧]. فإذا لم يصرح به, لم يقل: لا تأكلوا متكئين, علم أن ذلك من باب الآداب المستحبة ولا يستلزم الكراهة.
أما الحكمة من ذلك, فقال العلماء: إن المتكئ على أحدى اليدين لا يسهل نزول الطعام في هذه الحال مع المريء الذي هو مجرى الطعام, لأنه يكون الجسد مائلاً إلى أحد الجانبين, وهل يدخل في ذلك الشرب؟ نقول: إما على قواعد أهل الظاهرية فإنه لا يدخل فيه الشرب, لماذا؟ لأن الحديث خصه بالأكل, والأكل غير الشرب, فيقتضي أن يكون الشرب حال الاتكاء ليس مما يكرهه النبي صلى الله عليه وسلم, ويحتمل أن يقال: إن الشرب كالأكل, لأن العلة واحدة خصوصاً إذا عللنا الاتكاء على إحدى اليدين, فإن الشارب إذا كان متكئاً على إحدى اليدين اتكاء كبيراً ربما يشرق فيتضرر بذلك, لكن الاحتياط أن نأخذ بالظاهر, ونقول: الأكل متكئاً يكرهه النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الشرب.
وقد يقال: إن الفرق من وجهين: الوجه الأول: أن الأكل متكئاً سوف يكثر من الأكل, ثانياً: أن نزول الطعام مع المريء أشق من نزول الماء؛ لأن الماء أسهل وهذا معنى يقتضي ألا يصح القياس, بقى لنا الصورة الثالثة للاتكاء وهي: التربع, يرى ابن القيم أنها اتكاء, والفقهاء لا يرونها من الاتكاء ويقولون: إن المتربع لم يتكئ بل هو قائم الجسد فهو لم يتكئ فلا يدخل في الحديث, وإذا كان هذا عن التربع لا يقتضيه اللفظ من حيث اللغة ولا من حيث اللفظ فالاحتياط عدم إدخاله, لماذا؟ لأن الأصل في غير العبادات الحل والإباحة حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك.