هبة في الحقيقة، ولكنه إبراء من واجب القسم، وعلى هذا فلو قلت لمدينك الذَّي تطلبه: قد وهبت لك دينك فإنه يصح ويبرأ بذلك.
ومن فوائد الحديث: بيان كمال عقل سوده رضي الله عنها؛ حيث تنازلت عن حقها من القسم لتبقي من أمهات المؤمنين.
ومن فوائد الحديث: الإشارة إلى أن المرأة إذا طلقها النبَّي صلى الله عليه وسلم لم تكن من أمهات المؤمنين وهو كذلك، فالمرأة التَّي استعاذت من الرسول صلى الله عليه وسلم حين دخل عليها وأعاذها ليست من أمهات المؤمنين؛ لأنها طلِّقت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز أن تتنازل المرأة عن حقها لامرأة معينة، يؤخذ من أن سوده وهبت يومها لعائشة، فهل يصح أن تتنازل عنه لإحدى نسائه مبهمة؟ الظاهر الصحة، وعلى هذا فإذا لم تعيَّن امرأة فللزوج أن يجعله لإحدى نسائه، وللزوج أن يجعله مشاعًا بين نسائه، أما إذا قالت: اجعله لإحدى نسائك، فيحتمل أن يكون كما قلنا أنه مخير، ويحتمل أن يجعله مشاعًا، وعلى هذا فإننا نعود في حكم هذه المسألة فنقول: إذا تنازلت الزوجة لامرأة معينة من الزوجات تعَّين صرفه إليها، وإذا تنازلت لإحدى نسائه فإن له الحق أن يعين من شاء؛ لأنه مبهم وإذا تنازلت عنه مطلقًا فإنه يكون مشاعًا بين الزوجات. الأول واضح مثال ذلك: لو قال زوجته هند: وهبت يومي لضرتي زينب يكون لزينب، ولا يجوز أن يقسمه لغيرها، وقالت زوجته هند: وهبت يومي لإحدى نسائك اختر من شئت، فهنا يجعله لمن يشاء وله أن يجعله مشاعًا.
الصورة الثّالثة: أن تتنازل عن حقها لغير أحد فله أن يجعله مشاعًا، بل قد نقول: يتعين أن يجعله مشاعًا، لكن كلمة "مشاعًا" ما معناها؟ مشتركًا، فمثلاً إذا كان عنده أربع نسوة فإن حق كل واحدة ليلة من أربع، فإذا تنازلت عنه لغير معينة ولا مبهمة فإنه يكون مشاعًا، ويكون القسم دائرًا على ثلاثة فيغيب عن كل واحدة من الثلاث ليلتين، وإذا كان لواحدة معينة من الثلاث صار يأتي المعينة مرتين ويأتي الثانية والثالثة على مرة مرة ويغيب عن الثانية والثالثة ثلاث ليال، هذا هو الفرق.