و"ما" هذه اسم موصول، واسم الموصول عام فيشمل القليل والكثير، وذهب بعض العلماء إلا أنه لا يزيد على ما أعطاها؛ لأن المهر الَّذي أعطاها أخذ عوضه في الحقيقة وهو استحلال الفرج واستمتاعه ولهذا قال النَّبي صلى الله عليه وسلم:"فلها المهر بما استحل من فرجها". ولأن في حديث امرأة ثابت أن الرسول قال:"خذ الحديقة ولا تزدد"، قلنا: هذا فيه خلاف بين العلماء؛ منهم من قال: إنه يجوز أن يطلب زيادة على ما أعطاها، واستدل بقوله تعالى:{فلا جناح عليهما فيما افتدت به}.
و"ما" اسم موصول من صيغ العموم، فيشمل كل ما تفتدي به من قليل وكثير، ومنهم من قال إنه لا يزيد على ما أعطاها، ويقول: إن الآية لا دلالة فيما على ما ذكر، أي: على جواز طلب الزيادة، ووجه ذلك: أن الله قال: {ولا تحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئًا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت} أي: مما أتيتموهن، فالآية آخرها معطوف على أولها، فيكون المعنى: فلا جناح عليهما فيما افتدت به مما آتاها، وعلى هذا فيكون أعلى شيء أن يأخذ ما أعطاها فقط، ولا شك أن المروءة تقتضي ألا يطلب الزيادة، ولهذا توسط الإمام أحمد في هذه المسألة فقال: إنه يكره أن يأخذ زيادة على ما أعطاها ولا يحرم، وهذا هو أعدل الأقوال أن نقول: إنه يحرم عليه أن يأخذ أكثر مما أعطى، ولكن يكره له ذلك؛ لأن فيه شيئًا من الظلم والجور، وأما كونه لا يأثم لو أخذ أكثر فلأن الإنسان ربما يتعلق بالمرأة ويحبها ويخشى إن فاتته أن يتأثر بنفسه وبأن المهور قد تكون زادت وقد يكون بلغ السن قدرًا لا يقبله أكثر النساء؛ فلهذا نقول: إن طلب الزيادة لا يصل إلى درجة التحريم، ولكن القول بأنه مكروه لا بأس به، وقد علمتم من القواعد التي قرأتموها أن المكروه تبيحه الحاجة والحاجة دون الضرورة.
ومن الفوائد: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم لأنه هو الَّذي عرض على المرأة أن ترد الحديقة، وعرضه عليها أن ترد الحديقة يقتضي أنها إذا ردت حصل لها مطلوبها.
ومن فوائد الحديث: وجوب الخلع على الزوج إذا طلبت المرأة ذلك وردت عليها المهر، استدل هؤلاء لهذا بقوله صلى الله عليه وسلم:"اقبل الحديقة وطلِّقها تطليقه"، قالوا: والأصل في الأمر الوجوب؛ ولأن هذا- أعني: عدم قبوله- يستلزم ضرراً على المرأة، ودفع الضرر عن المسلم أو رفعه واجب، وقد فعل ذلك بعض فقهاء الحنابلة كما نقله عنهم صاحب الفروع قال بعض قضاتنا ألزموا الزوج بالطلاق في هذه الحال، ولاشك أن القول بإلزامه بالطلاق في هذه الحال قول قوي، لا يقال: إن الطلاق لمن أخذ بالساق، فلا يمكن أن نلزمه إذا كانت الأمور جارية على