هذا ما روي عن عبد الله بن عباس الَّذي قال فيه النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"اللَّهمَّ فقِّهه في الدين وعلِّمه التأويل"، فإن ابن عباس قال:"كل ما أجازه المال فهو خلع وليس بطلاق".
وذهب بعض العلماء إلى العكس من ذلك، وقالوا: إن الخلع طلاق بأي لفظ كان، حتى لو وقع بلفظ الخلع فإنه طلاق، ولكن هذا القول ضعيف للغاية؛ لأنه لو كان الخلع طلاقًا بكل لفظ لكان الطلاق أربعًا لا ثلاثًا، كيف ذلك؟ لأن الله تعالى قال:{الطلاق مرتان فإمساك بمعروٍف أو تسريح بإحسانٍ ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئًا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به}[البقرة: ٢٢٩].
فهذا ثالث ثمَّ قال:{فإن طلقها فلا تحل له من بعد حَّتى تنكح زوجًا غيره}[البقرة: ٢٣٠]. فهذا رابع، فالقول بأن الخلع طلاق بأي لفظ كان قول ضعيف جدًا؛ والقول بأن الخلع فسخ بأي لفظ كان وهو مقابل للقول الَّذي ذكرت أقوى منه.
بقي قول ثالث: أنه إن وقع بلفظ الطلاق وإن وقع بلفظ الخلع أو الفسخ أو الافتداء فهو فسخ، وهذا هو المشهور من المذهب، ويؤيد هذا قوله:"طلِّقها تطليقه"، وهذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل هذا الفراق طلاقًا ولكنه أمره أن يطلقها:"طلقها تطليقه"، هذا القول قول وسط بين القولين، لكنه يعكر على هذا القول أن النَّبي صلى الله عليه وسلم جعل عدتها حيضه، والطلاق عدته ثلاث حيض لقوله تعالى:{والمطلَّقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}[البقرة: ٢٢٨]. ولكن ربما يقول قائل: الطلاق الذي تتربص فيه المرأة ثلاثة قروء هو الطلاق الذي فيه رجعة لقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك}[البقرة: ٢٢٨]. أي: في ذلك الزمن الَّذي هو ثلاثة قروء ولا يكونوا البعول أحق بردهن إلا في الطلاق الرجعي والخلع طلاق بائن ويمكن أن نقول إنما جعل النَّبيّ صلى الله عليه وسلم عدة المختلعة حيضه واحدة؛ لأنه لا رجعة للزوج عليها فلا فائدة من تطويل العدة عليها فلتكن العدة حيضه واحدة، وهذا القول وجيه جدًا أيضًا، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المطلقة ثلاثًا قال: إن المطلقة ثلاثًا عدتها حيضه؛ لأنه لا رجوع لزوجها عليها إلا أنه علق القول بذلك على أن لا يكون خلاف الإجماع، وقد ثبت أنه لا إجماع في المسألة أي لم يجمع العلماء على أن المطلقة طلاقًا بائنًا تعتد بثلاث حيض، وعلى هذا