للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فوائد الحديث: جواز الاستنابة في إبلاغ الحكم الشرعي لقوله: "مره فليراجعها"، وعلى هذا فإذا استناب المفتي شخصًا آخر وقال له: قل للجماعة هذا حلال أو هذا حرام؛ فإنه يجوز، ولكن هل يقول المستنيب: قال فلان كذا، أو يجزم بالحكم؟ الثاني: وإن شاء الأول؛ يعني: له أن يجزم بالحكم، وله أن يقول: قال فلان كذا، وعلى هذا فعمر هل قال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني أن آمرك بمراجعتها، أو قال: راجعها؟ يجوز هذا وهذا، لكن الذي يظهر- والله أعلم- أنه الثاني أنه قال: "راجعها".

ومن فوائد الحديث: تحريم الطلاق في الحيض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برده.

ومن فوائد الحديث: أن المحرم لا ينفذ شرعًا لقوله: "مره فليراجعها" هذا هو الذي يظهر، أي: أن طلاق ابن عمر لم ينفذ في حال الحيض، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بردها؛ ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"، فإنا نسأل هل الطلاق في الحيض عليه أمر الله ورسوله؟ وسيكون الجواب: لا؛ فإذا كان لا، قلنا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملًا ... إلخ. فإذا قال قائل: إن قولكم هذا يرده قوله: "فليراجعها"، والمراجعة لا تكون إلا بعد طلاق. قلنا: كلمة "فليراجعها" تحتمل معنيين: أحدهما: ما ذكرت بأنه لا رجعة إلا بعد الطلاق، والثاني: أن المراد بها: المراجعة اللغوية؛ أي: ردها إلى نكاحها وهذا لا يلزم منه الوقوع دليل ذلك- أي: دليل أن المراجعة يراد بها ردها للأول لا أنها مراجعة شرعية قوله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} [البقرة: ٢٣٠]. أي: على الزوجة والزوج الأول أن يتراجعا، ومن المعلوم أن الرجعة هنا غير ممكنة؛ لأنه حال بينها وبين الطلاق نكاح رجل آخر. إذن فالمراجعة لما كانت تحمل معنيين سقط الاستدلال بها على تعيين أحدهما إلا بدليل وإذا رجعنا للدليل قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من عمل ... إلخ" وهذا عمل ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردودًا، وأيضًا لو أمرناه أن يراجعها واحتسبنا الطلاق لزم من ذلك أن تضيق على المطلق؛ لأنه سيكون مطلقًا مرتين؛ وأيضًا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستفصل هل هي الطلقة الأولى أو الثانية أو الثالثة بل أمر بالرد مطلقًا ومعلوم أنها لو كانت الثالثة لم تصح المراجعة الشرعية؛ لأنها لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره ولا سبيل له إلى الرجعة، فلما لم يستفصل وجب أن يحمل على أن المراد: المراجعة اللغوية.

ومن فوائد الحديث: أن من طلق زوجته في حيض لزمه أن ينتظر إلى ما بعد الحيضة الثانية.

ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز أن يطلق زوجته في طهر جامعها فيه لقوله: "إن شاء طلق قبل أن يمس".

<<  <  ج: ص:  >  >>