الخامس: أن مذهب ابن عمر الاعتداد بالطلاق في الحيض، وهو صاحب القصة، وأعلم الناس بها، وأشدهم اتباعًا للسنن، وتحرجًا من مخالفتها، قالوا: وقد روى ابن وهب في "جامعه"، حدثنا ابن أبي ذئب، أن نافعًا أخبرهم عن ابن عمر، أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: ومره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء وهي واحدة". هذا لفظ حديثه.
قالوا: وروى عبل الرزاق، عن ابن جريج قال: أرسلنا إلى نافع وهو يترجل في دار الندوة ذاهبًا إلى المدينة، ونحن مع عطاء: هل حسبت تطليقة عبد الله بن عمر امرأته حائضًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.
قالوا: وروى حماد بن زيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من طلق في بدعة ألزمناه بدعته"، رواه عبد الباقي بن قانع، عن زكريا الساجي حدثنا إسماعيل بن أمية الذارع حدثنا حماد فذكره.
قالوا: وقد تقدم مذهب عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت في فتواهما بالوقوع.
قالوا: وتحريمه لا يمنع ترتب أثره وحكمه علية كالظهار، فإنه منكر من القول وزور، وهو لا محرم بلا شك، وترتب أثره عليه وهو تحريم الزوجة إلى أن يكفر، فهكذا الطلاق البدعي محرم، ويترتب عليه أثره إلى أن يراجع، ولا فرق بينهما.
قالوا: وهذا ابن عمر يقول للمطلق ثلاثًا: حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك، وعصيت ربك فيما أمرك به من طلاق أمرأتك، فأوقع عليه الطلاق الذي عصى به المطلق ربه عز وجل.
قالوا: وكذلك القذف محرم، وترتب عليه أثره من الحد، ورد الشهادة وغيرهما.
قالوا: والفرق بين النكاح المحرم، والطلاق المحرم: أن النكاح عقد يتضمن حل الزوجة وملك بضعها، فلا يكون إلا على الوجه المأذون فيه شرعًا، فإن الأبضاع في الأصل على التحريم، ولا يباح منها إلا ما أباحه الشارع، بخلاف الطلاق، فإنه إسقاط لحقه، وإزالة لملكه، وذلك لا يتوقف على كون السبب المزيل مأذونًا فيه شرعًا، كما يزول ملكه عن العين بالإتلاف المحرم، وبالإقرار الكاذب، وبالتبرع المحرم كهبتها لمن يعلم أنه يستعين بها على المعاصي والآثام