من أين يؤخذ؟ من قوله تعالى:{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ... }[النساء: ٥٩]. ولم يقل- سبحانه وتعالى- فإن تنازعتم في شيء فخذوا بالأكثر قال:{فردوه إلى الله والرسول ... } وعلى هذا لو كان عشرة في المائة وافقوا ما قال الله ورسوله والتسعون في المائة خالفوا فالحق مع العشرة.
المقام الثالث: أن الطلاق المحرم لا يدخل تحت نصوص الطلاق المطلقة التي رتب الشارع عليها أحكام الطلاق، فإن ثبتت لنا هذه المقامات الثلاث، كنا أسعد بالصواب منكم في المسألة.
وهذا الوصف هذا هو الذي اتفق عليه الفقهاء أن المطلق الشرعي لا يدخل في المجرم؛ ولهذا قالوا: إذا حلف ألا يبيع فباع بيعًا محرمًا كالخمر فإنه لا يحنث مع أن بيع الخمر يسمى بيعًا لغة لكن المطلق ينصرف إلى الشيء الصحيح وكذلك لو باع ميتةً أو خنزيرًا وما أشبه ذلك، أو مجهولًا أو فيه غرزٌ فإنه لا يدخل في قوله تعالى:{وأحل الله البيع}[البقرة: ٢٧٥]. وأن المطلق في لسان الشرع يحمل على الصحيح ولا يتناول المحرم فالطلاق الذي أباحه الله عز وجل رتب عليه أحكامًا إنما يحمل على الطلاق الصحيح المباح، أما المحرم فلا تترتب عليه أحكام وهذه القاعدة متَّفقٌ عليها لكن قد يختلف العلماء في بحض مسائلها لاختلاف وجهات النظر.
فالطلاق المحرم إذا أجريناه على هذه القاعدة انطبق تمامًا على قول من يرى أنه لا يقع لأن إيقاعنا إياه شبه مضادة لله عز وجل فإن الله لم ينه عنه إلا من أجل أن نتجنبه وألا نعتد به، فإذا نحن اعتدادنا به وقلنا إنه يقع فهل انتهينا؟ ما انتهينا، بل إننا نفذنا خلاف مقصود الشرع بإعدامه وعدم الالتفات إليه، وسيذكر ابن القيم رحمه الله تتمة البحث.
فنقول: أما المقام الأول، فقد تقدم من حكاية النزاع ما يعلم معه بطلان دعوى الإجماع، كيف ولو لم يحلم ذلك، لم يكن لكم سبيل إلى إثبات الإجماع الذي تقوم به الحجة، وتنقطع معه المعذرة، وتحرم معه المخالفة، فإن الإجماع الذي ذلك هو الإجماع القطعي المعلوم.
الإجماع الذي يوجب ذلك، يعني: يوجب أن يكون حجة وأن تحذروا مخالفته هو ما جمع هذه الألفاظ: القطعي المعلوم وإذا أخذنا بهذا الإنكار نجد مسائل مجمعًا عليها إلا مسائل نادرة يسيرة، ثم إن الإجماع الذي على هذا الشكل أي أنه قطعي معلوم لا بد أن يكون فيه