وليس للتحريم؛ لأنه من باب الأدب؛ إذ النهي لا يعدو أحد أمرين إما أن يكون تكريما لليمين، وإما أن يكون لخوف أن تتلوث اليمين بالبول فتكون منتنة، وأيا كان فإن هذا لا يقتضي أن يكون النهي للتحريم، لكن حقيقة الأمر أن القول بأنه للتحريم قول قوي؛ لأنه مؤكد حيث قال:"لا يمسن"، وهذا قول أهل الظاهر أن النهي للتحريم.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز مس الإنسان ذكره بيده اليمنى في غير حال البول، من أين تؤخذ؟ من قوله:"وهو يبول"، وهذا هو الأصل في المفهوم أن يكون مفهوم مخالفة؛ أي: أن المفهوم يخالف المنطوق بالحكم هذا هو الأصل، وربما يقوي هذا الأصل أنه إذا مس ذكره بيمينه وهو يبول صارت عرضة للتلوث بالنجاسة بخلاف ما إذا مسه من غير أن يكون على البول، ومن العلماء من قال: إنه لا يمسن ذكره بيمينه لا حال البول لا غيره، وأنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مس الذكر باليمين حال البول مع أن الإنسان قد يحتاج إليه ففي غير ذلك من باب أولى، وعلى هذا فالمسألة محتملة، وإذا كانت محتملة فما هو الورع؟ عدم المس مطلقا؛ لكننا لا نجزم بأن هذا عام؛ لأن التقييد بكونه يبول لا شك أن له مناسبة وهي الحاجة.
فإن قال قائل: إذا كانت الإنسان لا يستطيع أن يستجمر باليسار فماذا يفعل؟
قلنا: الحاجة لها أحكام وسيأتي - إن شاء الله- الكلام عليها في الحديث الذي بعده.
ومن فوائد هذا الحديث: أن اليمين خير من اليسار وهذا مطرد في الأمر الكونية والأمور الشرعية، أما الأمور الكونية فلا يخفى علينا جميعا أن الله تعالى جعل في اليمين من القوة ما ليس في اليسار فهي التي يأخذ بها ويكتب بها، ويأكل بها، ويحمل بها الثقيل، وهذا من الميزة القدرية، وأما الشرع فكما رأيتم أنه نهى عن مس الذكر باليمين في حال البول، والمس باليسار لا بأس به.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز التصريح بلفظ البول، وأنه لا يعد مخالفا للحياء؛ لأن الذي عبر به أحيا الناس وهو النبي - عليه الصلاة والسلام-، فقال:"وهو يبول" وأما ما يستعمله الناس الآن إذا أراد أن يبول يقول: أطير الماء فهذا لا أصل له، بل قال صاحب الفروع رحمه الله: الأولى أن يقول: أبول، ولا يقول: أريق الماء؛ لأن البول ليس ماء؛ ولأن التعبير بالبول ومشتقاته وارد في السنة، قال النبي - عليه الصلاة والسلام- في البول:"أما أحدهما فكان لا يستتر من البول". وهنا المشتق وهو يبول، فالصواب جواز التعبير بهذا.