نصف ألسنتكم الكذب هذا حلالٌ وهذا حرامٌ لافتروا على الله الكذب إنَّ الَّذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون (١١٦) متاعٌ قليلٌ ولهم عذابٌ أليمٌ} [النحل: ١١٦، ١١٧]. فصار إضافة التحريم إلى الشيء على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن يريد الخبر فما الذي يترتب عليه من حكم؟ لا يترتب عليه شيء، بل يقال: إن الرجل كاذب، عليه أن يتوب مما قال. الثاني: أن يقصد الامتناع منه فحكمه حكم اليمين، أي: أنه يكفر- إذا استحله- كفارة يمين. الثالث: أن يقصد إنشاء الحكم المخالف للشرع، فهذا خطر عظيم قد يؤدي إلى الكفر، حيث شرع ما لم يشرعه الله عز وجل.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم في قوله تعالى:{اتَّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله}[التوبة: ٣١]. عندما قال يا رسول الله، لسنا نعبدهم، قال:"أليسوا يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ " قال: نعم، قال:"قتلك عبادتهم".
ومن فوائد الحديث: أن من حرم شيئًا يريد الامتناع منه فإنه يلزمه الكفارة؛ لقوله:"وجعل لليمين كفارة" فسمى ذلك يمينًا وأثبت أن فيه الكفارة، وهل يلحق بذلك الطلاق والنذر والعتق وما أشبهها؟ يعني: إذا قالها يريد الامتناع، مثل: أن يقول: إن فعلت كذا فامرأتي طالق لا يريد الطلاق لكنه يريد الامتناع من ذلك؟ الجواب: نعم على القول الراجح، وكذلك لو قال: إن فعلت كذا فعبدي حر نقول أيضًا: حكمه على القول الراجح حكم اليمين إذا قصد الامتناع، وكذلك لو قال إن فعلت كذا فلله عليَّ نذر أن أصوم سنة يقصد الامتناع من هذا الشيء ثم فعله فهل يلزمه أن يصوم سنة؟ لا وإنما يلزمه كفارة يمين؛ لأن الإنسان الذي قال هذا النذر ما قصد أن يتطوع لله بالنذر، قصد أن يمنع نفسه، وهذه القاعدة هي التي مشى عليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولكن جمهور العلماء على خلاف ذلك أي أنهم يغلبون جانب التعليق فيقولون: إن فعلت كذا فزوجتي طالق ثم فعله فإن الزوجة تطلق ولو نوى الامتناع، وإذا قال: إن فعلت كذا فعبدي حر فإنه يعتق العبد، ولو كان أراد الامتناع، أما النذر فالمشهور من المذهب أنه إذا أراد الامتناع فهو يمين وهذا القول أعني أنهم يجعلون النذر إذا أريد به الامتناع في حكم اليمين مما احتج به شيخ الإسلام، وقال: إذا كنتم لا توجبون عليه أن يوفِّي بالنذر مع أنه طاعة فكيف تلزمونه بالطلاق مع أنه غير طاعة والمعنى واحد؛ لأن الذي قال: إن فعلت كذا فزوجتي طالق إنما أراد الامتناع، كالذي قال: إن فعلت كذا فلله عليَّ نذر أن أصوم سنة كلاهما أراد بذلك الامتناع فكيف تقولون: في الطلاق بالإلزام وفي النذر بأنه يمين مع أنه كان المتوقع أن يكون الأمر بالعكس؟ ّ لأن الطلاق يكرهه الشرع والوفاء بالنذر- نذر الطاعة- يحبه الشرع،