للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قال قائل: الفرق ما بين ثلاثة عشر إلى تسعة عشر كبير، وهذا فيه إبهام.

فالجواب: أن العرب يتوسعون في مثل هذه الأمور، ثم إن دلت القرينة على أن المراد أقل ما يكون فهو ثلاثة عشر أو أعلى ما يكون فهو تسعة عشر وإلا فإن الأمر واسع.

١٠٥٢ - وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: "كان إيلاء الجاهليَّة السَّنة والسَّنتين، فوقَّت الله أربعة أشهرٍ، فإن كان أقلَّ من أربعة أشهرٍ، فليس بإيلاءٍ". أخرجه البيهقيُّ.

يعني: أن الرجل في الجاهلية يؤلي من زوجته سنة أو سنتين إضرارًا بها، كما أنه في الجاهلية يطلق الرجل ثلاث مرات أو أربع مرات، أو خمس مرات، كلما شارفت المرأاة على العدة راجعها ثم طلقها، فإذا شارفت على العدة من الطلاق الثاني راجعها ثم طلقها! فإذا شارفت من الطلاق الثالث راجعها ثم طلقها وهكذا! ! فوقَّت الله ذلك بثلاث مرات فقال: {الطَّلاق مرَّتان فإمساك بمعروفٍ أو تسريح بإحسانٍ ولا يحلُّ لكم أن تأخذوا ممَّا ءاتيتموهن شيئًا إلَّا أن يخافا ألَّا يقيما حدود الله فإن خفتم ألَّا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدَّ حدود الله فأولئك هم الظالمون (٢٢٩) فإن طلَّقها فلا تحلُّ له من بعد حتَّى تنكح زوجًا غيره} [البقرة: ٢٢٩، ٢٣٠].

فوقت الله أربعة أشهر فقال: {للَّذين يؤلون من نسائهم تربُّص أربعة أشهرٍ} أي: انتظار أربعة أشهر {فإن فاءو} أي: إلى زوجاتهم فذلك المطلوب وإلا أمروا بالطلاق فإن أبوا طلق عليهم الحاكم دفعًا لإضرار المرأة، وقوله: "ليس بإيلاء" يعني: ليس بإيلاء شرعًا، أما لغة فهو إيلاء بلا شك؛ لأنه حلف، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهرًا.

يستفاد من هذا الأثر: عناية الله- سبحانه وتعالى- بالنساء وأن الدين الإسلامي قد أعطى المرأة ما تستحقه من الأحكام الشرعية، وما كان لائقًا بها وما حصل من الفرق بينها وبين الرجال في بعض الأحكام فإنما ذلك من أجل الحكمة التي اقتضت ذلك، ولهذا نجد أن الرجل والمرأة يشتركان في الأحكام التي لا تقتضي الحكمة التفريق بينهما، ويختلفان في الأحكام التي تقتضي الحكمة التفريق بينهما.

ومن فوائد هذا الأثر: بيان ما كان عليه أهل الجاهلية من التعسف في معاملة النساء، فقد كانوا يعاملونهن أشد المعاملة ويحرمونهن من المواريث، وإذا مات الإنسان عن زوجته ألزم بأن تبقى في حوش بيته من بيتها، يعني: في بيت صغير ضيق تبقى سنة كاملة، لا تمس الماء ولا تنظف ولا تزيل شيئًا مما ينبغي إزالته، ولا تطهر من الحيض والدماء عليها والرائحة الكريهة عليها تبقى سنة كاملة، حتى إنها لو افتضت بعصفور أو حمامة أو شيء مات، ثم إذا مضت السنة خرجت

<<  <  ج: ص:  >  >>