مبيَّنة شيئًا من شحه فقالت:"لا يعطيني من النفقة ... إلخ" قولها: "إلا ما أخذت""إلا" هذه استثناء منقطع؛ لأنه لا يدخل في المستثنى منه وقاعدته أن يكون ما بعد "إلا" داخلا فيما قبلها فيكون الاستثناء منقطعًا، وقالوا: إن "إلا" الاستثنائية تكون بمعنى لكن لأنها كالاستدراك لما سبق أي لكن ما أخذت من ماله بغير علمه فإنني أنتفع به فهل علىَّ في ذبك من جناح، من هنا زائدة إعرابًا، وليست زائدة في المعنى؛ لأن المقصود منها التوكيد وجناح محله من الإعراب الرفع؛ لأنه مبتدأ أو خبره:"علي" مقدمًا "فهل عليَّ في ذلك من جناح"، أي: من إثم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خذي من ماله" الجملة أمر خذي، ولكنه ليس المراد به الإلزام، ولا الاستحباب، بل المراد به: الإباحة؛ لأن جواب الأمر يكون للإباحة؛ لأن جواب السؤال يكون للإباحة، فإن السؤال استفهام والأمر إذن ما لو قرعت الباب على شخص فقال ادخل فهذا ليس بأمر، ولهذا لو انصرف لم يعد عاصيًا، ولكنه إذن فالمراد بقوله:"خذي" الإباحة، وقوله:"بالمعروف" الباء هنا للمصاحبة، أي أخذا مصحوبا بالمعروف أي: بالعرف بما جرت به العادة ما يكفيك وما يكفي بنيك، فإذا كان الذي يكفيها عشرة مثلًا فلا تأخذ إحدى عشرة وإذا كان الذي يكفيها عشرة فأخذت تسعة فهذا يجوز وتصبر، لكن ما زاد لا تأخذ.
من فوائد الحديث: جواز الدخول على المفتي في بيته، لقول عائشة "دخلت امرأة أبي سفيان" لكن يشترط لذلك ألا يخلو بها وأن يأمن الفتنة فإن خلا بها حرم عليها الدخول، وغن لم تؤمن الفتنة حرم الدخول وهذان الشرطان متوفران في هذه القصية؛ لأن هندًا دخلت في حضور عائشة والفتنة قطعًا مأمونة.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز تعيين الشخص باسمه منسوبًا إلى أبيه وإلى من له علاقة به لقوله بنت عتبة نسبة إلى الأب امرأة أبي سفيان نسبة إلى من لها علاقة كما لو قلت: أبو بكر ابن أبي قحافة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعين الشخص بأمرين، وفائدة التعيين هنا متعين.
ومن فوائد الحديث: جواز ذكر الغير بما يكره للحاجة؛ لقولها:"إن أبا سفيان رجل شحيح" وهذه حاجة أن تبين حاله؛ لأن حاله تنبني عليها الفتوى، ولو لم تذكر هذه الحال لم تمكن الفتوى فإذا دعت الحاجة إلى ذكر الغير بما يكره ان ذلك جائزًا ويؤخذ من هذه المسألة الفردية أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد وكانت المصالح أبر جاز ارتكاب المفاسد، هنا لا يمكن أن تتحقق المصلحة إلا بارتكاب هذه المفسدة وهي ذكر أبي سفيان بما يره لأنا نعلم علم اليقين أن أبا سفيان يكره أن يذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف، ولكن الحاجة داعية إلى ذلك ومر علينا إذا تعارضت المصالح والمفاسد، فإن ترجحت المصالح انغمرت المفاسد