للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"إثما" مبين لما كان مبهما مما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يكفي فما هو الذي يكفي؟ بينه بقوله: "إثما" فهو إذن تمييز محول عن الفاعل وله نظائر في القرآن (وكفى بالله شهيدا) وقوله: "أن يضيع من يقوت" هذا فاعل كفى يعني: كفى به إثما تضيعه من يقوت أي من ينفق عليه بالقوت فإنه إذا ضيعه فهذا إثم عظيم يسعه ويحيط به.

وهو عند مسلم بلفظ: "أن يحبس عمن يملك قوته".

فبينه وبين اللفظين اختلاف يتبين بالشرح, هذا الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيه: "إن الإنسان يأثم إثما يحيط به إذا ضيع من يقوت" يعني: أهمله ولم يقم بما يجب له, وهذا يشمل ما كان إنسانا وما كان حيوانا والإنسان يقوت الإنسان ويقوت الحيوان فالمملوك له القوت على سيده والزوجة لها القوت على زوجها, والقريب له القوت على قريبه بالشروط المعروفة فإذا ضيعه وأهمله فإنه آثم, وأما لفظ مسلم: "أن يحبس عمن يملك قوته" وهو أعظم وأبلغ من التضييع, لأن التضييع عدم المبالاة, أما هذا فإنه منع القوت ففرق بين الذي يضيع إهمالا وتفريطا وبين الذي يعتمد الإساءة, فحديث مسلم فيمن يتعمد الإساءة فيحبس القوت عمن يملكه, ورواية النسائي تدل على أن مجرد التضييع والإهمال إثم فأيهما التي يدخل فيها اللفظ الثاني؟ الأولى, لأنه إذا كان عليه هذا الإثم في الإضاعة فإنه يكون عليه من باب أولى في الإساءة؛ لأن الذي يمنع القوت عمن يملكه أشد إثما.

ففي هذا الحديث: وعيد على من ضيع من يقوت وأنه آثم والقاعدة عند أهل العلم: أن كل ذنب توعد عليه فإنه يكون من كبائر الذنوب فيؤخذ من هذا أن إضاعة من يقوت من كبائر الذنوب.

ومن فوائده: أنه إذا أضاعه فقد اكتسب هذا الإثم طالبه أم لم يطالبه لأنه إذا كان يجب عليه أن يقيته ولم يفعل لحقه هذا الإثم حتى وإن لم يطالبه ما لم يسقط حقه فالمقامات ثلاثة أن يطالبه وله الحق في المطالبة, أن يسقط عنه الحق فله الحق أن يسقط الثالث أن يسكت فمتى يكون آثما؟ يكون آثما فيما إذا طالبه ومنعه حقه أو فيما إذا سكت لأن الأصل أن الحق واجب فيجب إيصاله إليه سواء طالبه أو لم يطالبه إذا أسقطه فالحق له ويسقط عما يجب عليه, هل له أن يطالب أباه بالنفقة؟ يعني: لو أن أباه منعه النفقة الواجبة عليه فهل له أن يطالبه؟ قال العلماء نعم له أن يطالب أباه ولكن ليس له أن يطالب أباه بدين ثابت على أبيه والفرق بينهما أن مطالبة أباه بالنفقة مطالبة لحفظ نفسه؛ لأنه لا يمكن أن يبقى لا يأكل ولا يشرب ولا يكتسي ومطالبته بالدين ليست لحفظ نفسه ولكن لحفظ ماله فلا يحق له أن يطالب أباه في

<<  <  ج: ص:  >  >>