اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل}، وهم يدعون أنهم إنما اتخذوه رفقا بكبار السن، وما أشبه ذلك؛ فنهاه الله.
أما مسجد قباء فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج كل يوم سبت راكبا أو ماشيا فيصلي فيه. ورغب صلى الله عليه وسلم في الصلاة فيه إذا تطهر الإنسان في بيته وخرج إلى هذا المسجد وصلى فيه ركعتين أو ما شاء الله، كان كمن أتى بعمرة.
أهل قباء وصفهم الله تعالى بأنهم يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين، فقال:{لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيهفيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}[التبة: ١٠٨]. أثنى الله عليهم بأنهم رجال بمعنى الرجولة الحقيقية، وأنهم يحبون أن يتطهروا من الأنجاس والأحداث والذنوب، {والله يحب المطهرين}، أي: الذين يتطهرون، فسألهم النبي لماذا أثنى الله عليهم؟ قالوا: إنا نتبع الحجارة الماء، أيهما التابع وأيهما المتبوع؟ الماء تابع، والحجارة متبوع، يعني: إذا استجمروا بالأحجار استنجوا بالماء، وهذا وجه ثناء الله تعالى عليهم.
فيستفاد من هذا الحديث فوائد منها: أن الجمع بين الاستجمار والماء أفضل من الاقتصار على أحدهما، فإذا اقتصر على أحدهما فأيهما أفضل الماء أو الحجارة؟ قال العلماء: الماء أفضل؛ لأنه أنقى وأطيب، والمقصود: الإنقاء، فمتى حصل إنقاء أكثر وأشد كان أولى وأدنى من ذلك الأحجار لكنها مطهرة، كما سبق أن الاستجمار الشرعي الذي يكون ثلاث مسحات منقية فأكثر يكون مطهرا.
ومن فوائد الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب؛ ولهذا سألهم لماذا أثنى الله عليهم.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الأعلى منزلة ومرتبة قد يستفيد ممن دونه؛ لأن قوله تعالى:{يحبون أن يتطهروا} لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم هذا التطهر، وإنما أخذ المعنى من هؤلاء، فيستفاد منه: أن الأعلى مرتبة ومنزلة يستفيد من الأدنى، وهذا هو الذي ينبغي للإنسان ألا يحقر غيره، بل أن يتعلم منه؛ لأن فوق كل ذي علم عليم، ورب علم عند شخص دونك بمراتب لا تدركه أنت.
ومن فوائد هذا الحديث: أن أفعال الله عز وجل لا تحتاج إلى توقيف؛ بمعنى: أن كل شيء في الكون يخلقه الله لا بأس أن تصفه - تبارك وتعالى- بهذا الأمر الذي فعله فمثلا "يثني".
لو قال قائل: هل من أسماء الله المثنى؟ قلنا: لا، لكنه - سبحانه وتعالى- فعل من فعله بأن أثنى على هذا كذلك الخالق الرازق وغير ذلك من كل أفعال الله لا بأس أن تسندها إلى الله، وإن لم تأت في الكتاب والسنة ما دام إسنادها إلى الله صريحا صحيحا.
فإن قال قائل: ذكرت أن أول مسجد {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم