الفرج عند الشدة في قصة الذبيح إسماعيل بن إبراهيم - عليهما الصلاة والسلام -، يعني: لما لم يبق إلا التنفيذ جعل الله في قلوبهم الرأفة والرحمة فرضي القوم فعفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد .. الخ"، "عباد الله" جمع عبد، والمراد بالعبودية: العبودية الخاصة وهي عبودية الشرع؛ وذلك أن العبودية تنقسم إلى قسمين: عبودية الكون- القدر- وهذه عامة لكل أحد ومنها قوله تعالى:{إن كل من في السموات والأرض إلا أتي الرحمن عبدًا}[مريم ٩٣]. وهذا يشمل الكافر والمؤمن وعبودية خاصة وهي عبودية الشرع التي يخضع فيها الإنسان لشرع الله عز وجل مثل قوله تعالى:{وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا}[الفرقان: ٦٣] وهذه تنقسم إلى ما هو أخص من الخاصة وما هو خاص على سبيل العموم فالرسل - عليهم الصلاة والسلام- عبوديتهم لله هي أخص العبادات أو أخص التعبد قال الله- تبارك وتعالى- في نوح- عليه الصلاة والسلام-:
{إنه كان عبدًا شكورًًا}[الإسراء: ٣]. وقال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم:{تبارك الذي نزل الفرقان على عبده}[الفرقان: ١] يقول: "إن من عباد الله" هذه من الخاصة، وقوله:"من لو أقسم"، "من" هذه اسم إن؛ يعني: الذي، وخبرها مقدم، ومعنى "من لو أقسم على الله"؛ أي: حلف على الله أو ألا يكون هذا الشيء، "لأبره"؛ أي: لو في له - سبحانه وتعالى - بالقسم، وقوله:"إن من عباد الله" لا يشمل جميع العباد، بل منهم هذا الحديث ومناسبته لكتاب الجنايات القصاص في السن.
وفيه فوائد منها: ما يجري بين الصبيان والصغار من المناوشات التي قد تؤدي إلى مثل هذه الحال إلى الكسر، كسر السن، كسر الذراع كسر الأصبع، وهذا مما يوجب لفت النظر لأولياء الصغار بحيث يحذرونهم من هذه الأعمال ويدرسونهم إذا جلسوا معهم على العشاء وغيره يحذرونهم من هذه الأشياء.
ومن فوائد الحديث: أن الخيار في القصاص أو الدية أو العفو لمن وقعت عليه الجناية لا لمن وقعت منه، وجه ذلك: أنهم طلبوا منهم العفو والأرش وأبوا إلا القصاص فالخيار إذن للمعتدي عليه لا للمعتدي.
ومن فوائد الحديث: جواز طلب العفو من المجني عليه وأن هذا لا يدخل في المسألة المكروهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر هؤلاء حين طلبوا العفو.
ومن فوائد الحديث: أن الحق لولي الصغير وجه ذلك قوله فطلبوا إليهم العفو فأبوا فعرضوا الأرش فأبوا وهذا الذي يدل على أن الذي يتكلم هم أولياء هذه الصغيرة، وهذا أحد القولين في هذه المسألة أنه إذا وجب القصاص لصبي فإن المرجع في ذلك إلى أوليائه لما في هذا من تعجيل الحق وأخذ الحق، وقال بعض العلماء: إذا وجب القصاص لصغير فإنه ينتظر إلى أن يبلغ لأنه هو المجني عليه فينتظر إلى أن يبلغ ثم إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا، لكن هذا الحديث يدل على أن الأولياء لهم الحق في ذلك.