بين حجرين ولم يقتلها بجارحة وقوله:"فهو قود"؛ يعني: هذا الأصل ولأولياء القود أن يتحولوا إلى الدية، وهل لهم أن يصالحوا عنها بأكثر؟ في هذا قولان للعلماء فمنهم من قال: ليس لهم أن يصالحوا عنها بأكثر، بل يقال لهم: إما أن تقتلوا قصاصًا، وإما أن تأخذوا الدية، وقال بعض العلماء: لهم أن يصالحوا عن ذلك بأكثر؛ لأن الحق لأولياء المقتول، فإذا قالوا: لا نسقط القود إلا إذا أعطيتمونا عشر ديات وإلا فسنقتل، وهذا القول هو مذهب الإمام أحمد وهو أن الحق لأولياء المقتول، فإذا قالوا: لن نرضى إلا بدية مضاعفة مرتين أو ثلاثًا أو أربعًا فالحق لهم، "ومن حال دونه"؛ أي: دون القود. "فعليه لعنة الله"؛ يعني: من منع إجراء القصاص فيما يجب فيه القصاص فعليه لعنة الله، وهذه الجملة "فعليه لعنة الله" تحتمل أن تكون خبرًا وتحتمل أن تكون دعاء، فإن كانت دعاء فإن الذي يظهر أنه دعاء مقبول لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا به على ظالم ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المشرع وهذا الظالم يريد أن يبطل شريعته فيكون بمنزلة المظلوم ودعاء المظلوم مستجاب ويقال أيضًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يدع إلا وقد أذن له في ذلك، وإذا أذن الله في ذلك فإنه يستجيب له لقوله تعالى:{وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}[غافر: ٦٠]. أما إذا كان خبرًا فالأمر واضح، يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن هذا عليه لعنة الله واللعنة هي الطرد، والإبعاد عن رحمة الله.
في هذا الحديث فوائد منها: أن منق تل في عمية أو رمية فإن ديته دية الخطأ وذلك لأن هذا القتل لا يدري القاتل فيما قتل وربما لا تعلم عين القاتل أيضًا المسألة معماة قوم صار بينهم نزاع وتقاتلوا ووجد بينهم القتيل.
ومن فوائد الحديث: أن القتل بما لا يقتل غالبًا لا قود فيه لقوله ومن قتل عمدًا فهو قود.
ومن فوائده: إثبات القصاص في القتل وقد قال الله - تبارك وتعالى -: {يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى}[البقرة: ١٧٨]. وقال:{ولكم في القصاص حياة}، وقال المغيرون الذين يأخذون بالشرع المبدل لا بالشرع المنزل قالوا لا نقتل القاتل لأننا إذا قتلنا القاتل أفنينا نفسين وإذا أبقيناه لم يفن إلا نفس واحدة ولكن هذا من وحي الشيطان وزخرف القول غرورًا وإلا فإننا إذا قتلنا القاتل قتلنا نفسين لا شك لكن كما درأنا من نفس؟ عالم كثير ولهذا قال الله تعالى:{ولكم في القصاص حياة} وعلى هذا فتكون الحكمة هي عين إجراء القصاص، وأنه لابد منه.
ومن فوائد الحديث: أن الحيلولة دون إجراء القصاص موجبة للعنة؛ لقوله:"ومن حال دون فعليه لعنة الله"، ويتفرع على ذلك أن يكون هذا من كبائر الذنوب؛ لأن كل ذنب رتبت عليه العقوبة الخاصة بلعن أو غيره فإنه من كبائر الذنوب.