للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتحمل جنايتك هذا المعنى، وليس المعنى: أن الأب لا يمكن أن يجني على ابنه فربما يجني عليه كأن يضربه أو يجرحه وربما يقتله، وكذلك العكس، لكن المعنى: أنه لا يتحمل جنايتك ولا تتحمل جنايته، وعلى هذا فالأب لا يحمل من الدية إذا كانت على العاقلة شيئًا، لو أن شخصًا قتل إنسانًا خطأ، فالدية على عاقلته والعاقلة هم الأصالة، لكن هذا الحديث يدل على أن الأصول والفروع لا يتحملون من الدية شيئًا لأنه قال: لا يجني عليك ولا تجني عليه وإلى هذا ذهب أهل العلم وقالوا إن العاقلة هم ذكور العصبة ما عدا الأصول والفروع وأن الأصول والفروع لا يتحملون من الدية شيئًا، ولكن القول الراجح أنهم يتحملون وأنهم أولى بالتحميل ممن وراءهم لأن القرابة الذين سواهم من أين كانوا قرابة لك؟ منهم فإذا كانوا هم الأصل فكيف يحمل الفرع ولا يحمل الأصل؟ ! فالصواب أن الأصول والفروع من العاقلة كم سواهم ولكن لو قال قائل: كيف نجيب عن هذا الحديث؟ نقول المراد الجناية التي يكون بها قصاص، يعني: لو جنى الابن جناية فيها قصاص فإنه لا يقتص من أبيه بدلاً عنه ولو جنى الأب جناية فيها قصاص فإنه لا يقتص من الابن نيابة عنه أما مسألة الدية فإنه لا تعرض للحديث فيها.

في هذا الحديث فوائد: أولاً: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على معرفة أحوال أصحابه لقوله: "من هذا"، ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" فلما سأل علم أنه صلى الله عليه وسلم يعتني بأصحابه وأن أحوال أصحابه مما يعنيه؛ إذ لا يمكن إن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم غير حسن الإسلام -وهو أكمل الناس إيمانًا وأشدهم تقوى لله عز وجل؛ فإذن يستدل بهذا الحديث على حرض النبي صلى الله عليه وسلم على معرفة أحوال أصحابه، ويتفرع على هذه القاعدة: أنه ينبغي لكبير القوم من قاضٍ أو عالم أو أمير أن يتفقد أحوال من هم تحت يده اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن فوائد الحديث: أن الرجل إذا استحلق ابنًا له فإن يلحقه ولا يحلف البينة به وهو كذلك فإذا استلحق الإنسان شخصًا قال هذا ولدي فإنه ولده لكن بشرطين الأول ألا ينازع فيه، والثاني أن يمكن كونه منه فإن نوزع فيه نظرنا إن كان المنازع غير ذي فراش فإنه يعرض على القافة الذين يعرفون النسب بالشبه فمن ألحقته به لحقه.

ومن فوائد الحديث: صحة إطلاق الشهادة على الإقرار لقوله وأشهد به أي أقر به وقد سمى الله الإقرار شهادة فقال (يا أسها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) [النساء:

<<  <  ج: ص:  >  >>