"إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفرا". فقال: إن الله حيي كريم.
فإن قال قائل: إن الله لا يوصف إلا بالكمال، فهل الحياء كمال؟
فالجواب: نعم، هو كمال؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الحياء شعبة من الإيمان". والإيمان كمال، زقال - عليه الصلاة والسلام-: "إن مما ادرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت". وهذا الحديث له معنيان:
المعنى الأول: أن الذي ليس عنده حياء يصنع ما يشاء وإلا يبالي.
والمعنى الثاني: أنك إذا أردت أن تفعل شيئا وهو لا يستحيا منه فافعله: "اصنع ما شئت"، وكلا المعنيين صحيح.
فإن قال قائل: هل من الحياء أن يسكت الإنسان عن الشيء من دين الله يشكل عليه؟
فالجواب: لا، ليس هذا من الحياء، بل هذا من الخوف والجبن وضعف الشخصية، والواجب: أن يسأل الإنسان عن كل شيء يتعلق بدينه، لاسيما بعد أن انقطع الوحي بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم فإننا الآن قد آمنا أن ينزل الوحي بتحريم شيء حلال أو إيجاب شيء غير واجب، فليسأل ولا يستحي نعم، إذا كان الشيء مما يستحيا من التصريح به فليكني عنه، وباب الكناية واسع، وإذا كان مما لابد أن يصرح به لكن أراد الإنسان أن يكون السؤال بينه وبين المسئول فليؤخر لا بأس، أما إذا كان خاليا من هذا فإن الحياء يعني الجبن، وضعف الشخصية، وهو حرام بهذه المثابة، الواجب على الإنسان أن يسأل كما أمر الله تعالى:{فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}[النحل: ٤٣].
ومن فوائد هذا الحديث: أن النساء يحتلمن كما يحتلم الرجال لقولها؛ رضي الله عنها" "هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت"، و"إذا" في الغالب تقال للشرط المحقق، لكنها شرط للزمان لا للوقوع، بخلاف "إن" فإنها شرط للوقوع.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الاحتلام بلا إنزال لا يجب فيه الغسل حتى لو أحس الإنسان باللذة ولكن لم يخرج شيء فلا غسل عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيد هذا بما إذا رأت الماء.
ومن فوائد هذا الحديث: أنها - أي: المرأة- ومثلها الرجل لو رأى بعد استيقاظه أثر الجنابة وتيقن أنه مني وجب عليه الغسل، وإن لم يذكر احتلاما؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل مدار