للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم، وهي كما تشاهدون مؤكدة بالنون واللام، وعلى هذا فالجملة هنا مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم واللام، والنون.

"الوليدة والغنم رد عليك"، "الوليدة" يعني: الأمة، و"الغنم": المائة شاة، "رد عليك"، و"رد" هي خبر المبتدأ، وهي بمعنى: مردود كقوله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"، المعنى: أن الوليدة والغنم ترد عليك، وقوله: "الغنم والوليدة رد عليك" بعد أن قال: "لأقضين بينكما بكتاب الله".

إذا قال قائل: أين ذلك في كتاب الله؟

نقول: هي موجودة في كتاب الله: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [البقرة: ١٨٨]، وهذا باطل لأنه أخذ بغير حق، وكل ما أُخذ بغير حق فهو باطل، لقوله تعالى: {فماذا بعد الحق إلا الضلال} [يونس: ٣٢]. وعلى هذا فرد الغنم والوليدة على هذا الرجل موجود في كتاب الله، وإن لم يكن موجودًا بعينه، ولكن بالقاعدة العريضة وهي الأساس وهي تحريم أكل مال الغير بالباطل.

قال: "وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام" لأنه ابنه بكر لم يكن قد تزوج، والبكر جلده جلد مائة وتغريب عام، و"واغد يا أنيس" أي: اذهب غدوة في أول النهار، وقد يراد بالغدو مجرد الذهاب، أي: اذهب ولو في المساء، "يا أنيس" اسم رجل من الصحابة اختاره النبي صلى الله عليه وسلم أن يذهب وهي- كما رأيتم- قضية عين لا ندري لماذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل، لكنه اختاره لسبب اقتضى أن يكون هذا الرجل هو الذي يذهب، "إلى امرأة هذا" أي: الأعرابي، وامرأته، أي: زوجته "فإن اعترفت" أي: أقرت، "فارجمها".

في هذا الحديث فوائد كثيرة؛ منها: جفاء الأعراب وغلظة الأعراب وجهل الأعراب لقول الأعرابي: "أنشدك الله إلا قضيت".

ومنها أيضًا: سعة حلم الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث لم يؤاخذ هذا الأعرابي بهذه الكلمة الغليظة التي لا ينبغي أن توجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومنها: الحكم بالقرائن لقول الراوي "وهو أفقه منه".

ومنها: حسن الأدب مع الكبير لقول الرجل: "وأذن لي"، فلا نبغي للإنسان أن يتكلم أمام الكبير إلا بإذنه اللفظي أو العرفي أو الحالي، اللفظي أن يقول: تكلم، العرفي أن يكون جرى به العرب الحالي أن يعلم من حال الرجل أنه لا يهمه أن يتكلم الناس في مجلسه ولو كان أصغر منه، والناس في هذا المقام يختلفون، فمن الناس الكبراء من يكره أن يتكلم أحد في مجلسه إلا بإذنه، وإذا تكلم أحدٌ في مجلسه يسند الكلام إلى غيره تجده يتمعر وجهه، وهذا ليس بطيب، اللهم إلا إذا كان هذا الرجل يتحدث بأمر ديني علمي شرعي فهو له الحق أن ينكر على هؤلاء الذين يتكلمون، لا سيما إذا كان الكلام بطلب من الجميع.

<<  <  ج: ص:  >  >>