للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"أنكتها" قال: "نعم"، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنده الأمر وتردد فيه، والقول الصحيح أنه لا يشترط في الإقرار التكرار، لأن الله تعالى سمى الإقرار شهادة، والشهادة لا يشترط فيها التكرار، قال الله تعالى: {يأيها الذين امنوا كونوا قومين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم} [النساء: ١٣٥].

والشهادة على النفس هي الإقرار، فكما أن الشاهد لا يؤمر بتكرار شهادته فكذلك المقر لا يشترط لصحة إقراره تكرار إقراره، نعم إذا صار عند القاضي تردد في حال هذا الرجل أو تردد في علم هذا الرجل بما يسمى زنا فحينئذٍ نكرر عليه.

ومن فوائد الحديث: وجوب الرجم على من زنى إذا كان قد تزوج فإنه يجب رجمه لقوله "فإن اعترفت فارجمها" والرجم هو أن يرمي بالحجارة المتوسطة التي ليست صغيرة فيتأذى بها حتى يموت ولا كبيرة فيموت سريعًا بل حجارة متوسطة، يعني: مثل البيضة أو أقل هكذا الرجم.

ومن فوائد الحديث: أنه لا يجمع بين الجلد والرجم، وهذا هو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يجمع بين الجلد والرجم، بل إذا كان الرجم اقتصرنا عليه: وهذا مقتضى النظر؛ لأنه ما دام سوف يقتله لم نستفد من جلده إلا مجرد التعذيب فلا فائدة، الجلد من أجل ردعه، والآن سوف يقتل فلا فائدة من الجلد بل الرجم.

فإن قال قائل: هل ثبت الرجم في القرآن؟

قلنا: نعم، وسيأتي في حديث عمر بن الخطاب

في هذا الحديث إشكال أولًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل قول الرجل على ابنه ولم يقبل قوله على امرأة الرجل، فما الجواب؟ الجواب: إما أن يكون الابن حاضرًا فيكون عدم إنكاره على أبيه بمنزلة الإقرار، وإما أن يكون هذا على سبيل الاستفتاء، والاستفتاء لا يشترط فيه إقرار المدعي عليه ولهذا حكم النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة على زوجها أبي سفيان حين قالت: إنه شحيح لا يعطيني ما يكفيني، فقال: "خذي من ماله ما يكفيك ويكفي بنيك" ولكن هذا الجواب ضعيف؛ لأن الحديث صريح في أن المسألة من باب القضاء لا من باب الاستفتاء، لكن يقال: إما أن يكون الابن حاضرًا، وإما أن نجعل إقرار الأب على ابنه بمنزلة إقرار الابن، لأنه من المستحيل أن يقول الرجل: إن ابني زني وهو لم يزن بخلاف دعواه على المرأة.

الإشكال الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "على ابنك مائة جلد مائة وتغريب عام" فهل التغريب مفيد لهذا الزاني؟ نعم فيه فائدة منها أنه يبتعد عن محل الفاحشة لئلا تحدثه نفسه بالعودة إليها، ومنها: أن الغريب يكون منشغل البال غير مطمئن، وهذه الحال تجعل نفسه تهدأ ويزول عنها ما فيها من الأشر والبطر وحب النكاح فترجع وتهدأ فكان في التغريب فائدة، ولكن إذا كانت امرأة هل تغرب؟ نقول: تغرب بشرط أن يوجد معها محرم يصاحبها حتى تعود إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>