للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "لكن اختلف في وصله وإرساله"، وإذا اختلف في وصله وإرساله اتبع الأرجح؛ لأن من خالف الأرجح فهو شاذ عند أهل المصطلح، فإن تساووا قدم من وصل؛ لأن معه زيادة علم.

هذا الحديث فيه فوائد: منها: الحذر من المظاهر، وإلَّا يغتر الإنسان بها، وذلك أن هذا الرويجل الضعيف لا يظن به أن يعمد إلى أمة من الإماء فيفجر بها؛ لأنه ضعيف فيجب الحذر، وإلَّا يغتر الإنسان بالمظاهر.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يجب الستر على من زنى، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على من أخبره بزنا هذا الرويجل.

ومن فوائد هذا الحديث: جواز التوكيل في إقامة الحد لقوله: "اضربوه حدَّه".

ومن فوائد الحديث: أنه لا يجب التغريب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكره، ولكن في هذا الاستدلال نظر؛ لأننا نقول: إن كان هذا الرويجل مملوكًا كما هو ظاهر الحال حيث زنى بأمة، فالمملوك لا يغرب؛ لأن في ذلك ضررًا على سيده، وقد قال بعض العلماء: إنه يغرب، وبعضهم قال: يغرب نصف سنة، وسبق ذكر الخلاف في هذا وإن كان حرًّا فإن عدم الذكر ليس ذكرًا للعدم، وإذا كان كذلك فإنه لا ينافي الأحاديث الدالة على أنه يغرب الزاني.

ومن فوائد الحديث: أن هذا الرويجل ليس محصنًا، وجه ذلك: أنه قال: "اضربوه حده"، ولم يقل: ارجموه، فإن كان مملوكًا فعدم إحصانه ظاهر؛ لأن من شرط الإحصان: أن يجامع زوجته التي تزوجها بنكاح صحيح وهما بالغان عاقلان حران، وإن كان حرًّا فإنه يستدل باللازم، فإن من لازم الاقتصار على الأمر بالجلد أنه ليس بمحصن.

ومن فوائد الحديث: أنه إذا كان من وجب عليه الحد لا يقوى على تحمل الحد فإنه يعدل إلى ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو أن يؤخذ عثكالًا من النخل فيه مائة شمراخ ويضرب به ضربة واحدة، واختلف العلماء - رحمهم الله -: هل يجب آن تنشر الشماريخ حتي يباشر كل شمراخ بدن هذا المحدود أو لا يشترط؟ الصحيح أنه لا يشترط أولًا: لأنه لم يذكر في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن تفرق هذه الشماريخ، والثاني: أن تفريقها فيه مشقة شديدة، وقد لا يمكن أن تنشر مائة شمراخ حتى تباشر الضرب هذا صعب أو متعذر، فالصواب أنه لا يشترط أن تفرق هذه الشماريخ، وهل مثل ذلك ما ذكره الله عن أيوب حين قال له: {وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به ولا تحنث} [ص: ٤٤]؟ الجواب: نعم مثل هذا؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - أقسم أن يضرب امرأته مائة جلدة، ولكن أفتاه الله عز وجل بذلك {وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به ولا تحنث}، وهل يقال: إنه متى وجب الحد على ضعيف لا يحتمله فإنه يضرب بالعثكال الذي فيه مائة شمراخ بكل حال أو

<<  <  ج: ص:  >  >>