القول الثالث: أنه لا حد عليهما، بل هو التعزير؛ وذلك لأن الحد إنما وجب في الزنا، واللواط ليس بزنًا.
القول الرابع:"هو قول ساقط، لكن نذكره لإتمام سياق الأقوال أنه لا شيء عليهما اكتفاء بالرادع الطبيعي، وهذا من أضعف الأقوال، وقاسوا ذلك على البول قالوا: لو أن الإنسان شرب بولًا لم يحد ولو شرب خمرًا لحد؛ لأن النفوس لا تطلب البول وتطلب الخمر، فيقال: هذا منتقض في أصل القياس، وفي فرعه، أما أصل القياس فإننا لا نسلم أن من شرب البول لا يعزر، بل يجب أن يعزر؛ لأن شرب البول معصية حرام، والتعزير واجب في كل معصية.
ثانيًا: أنه منتقض، فإن قولهم: "الطبيعة تنفر منه" يراد بذلك: الطبيعة السليمة، وأما المنجرفة فإنها لا تنفر، فهذه قرية كاملة أرسل إليها رسول كانت تعمل هذا العمل، ونقول الزنا أيضًا النفوس السليمة تنفر منه، ومع ذلك أوجب الله فيه الحد، فهذا القياس باطل في أصله وفي فرعه.
يبقى النظر في التعزير نقول: الاقتصار على التعزير فيه نظر، وذلك لأن اللواط استمتاع محرم في فرج فأقرب ما يكون له الزنا وهذا هو القول لولا أن السُّنة وإجماع الصحابة على خلافه، وإلَّا لقلنا: إن حده حد الزاني؛ لكن ما دامت السُّنة دلت على وجوب قتله وكذلك الصحابة، فليس لنا بدٌّ عن القول بذلك، إذن فهو مؤيد بالنص وبإجماع الصحابة، ثم إنه مؤيد أيضًا بالنظر الصحيح؛ لأن التحرز عن اللواط غير ممكن، فإنه اقتران ذكر بذكر، فهل يمكن أن نقول: كلما وجدنا ذكرا مع ذكر وجب علينا أن نفرق بينهما خوفًا من الوقوع في اللواط، لكن إذا كان ذكرًا مع أنثى يفرق بينهما فالتحرز منه لا يمكن، وإذا كان التحرز منه لا يمكن فإنه لا بد من إعدامهما حتى لا يكونا جرثومة فاسدة في المجتمع، وهذا هو الحق الذي يتعين المصير إليه، أما من أتى البهيمة فنقول: إن الحديث لا يقوى على استباحة دم الفاعل لما فيه من الشبهة، وعليه فلا يقتل الفاعل في البهيمة ولكن يعزر بما يردعه، أما البهيمة فتقتل لكنها تقتل قتلًا ولا تذكي تذكية، تقتل بالرصاصي أو ما أشبهه ولا تذكى.
فإن قال قائل: هل يحل أكلها؟
فالجواب: لا؛ لأنها قتلت حدًّا وتعزيرًا على صاحبها، بل وتعزيرًا على الفاعل فلا تؤكل
فإن قيل: إذا كانت البهيمة للفاعل فالغرم عليه ولا إشكال، لكن إذا كانت لغيره فكيف نقتل مال غيره أليس هذا عدوانًا على الغير؟