للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث أتى إليه، مر به وقال: "ما عندك؟ " قال: عندي خير وما قلت لك بالأمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أطلقوه"، فأطلقوه، فكان في هذا الإطلاق ملك له في الواقع، بمعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم بمنه عليه بالإطلاق ملكه، ذهب الرجل إلا حائط واغتسل ودخل المسجد، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، أسلم ثم قال: يا محمد، والله ما كان على الأرض أحد أبغض إلي من وجهك؛ ولقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، وما على الأرض دين أبغض إلي من دينك؛ فأصبح دينك أحب الدين غلأي، وما في البلاد بلاد أبغض إلي من بلادك؛ فأصبحت بلادك أحب البلاد إلي، ثم قال: يا محمد، إن خيلك أخذوني وأنا أريد العمرة فما تأمرني - يعني: هل أمضي أو أرجع إلى قومي؟ -فقال له: "امض" وبشره بالخير، فمضى في عمرته.

فلما دخل مكة سمعه أهل مكة يلبي لبيك اللهم لبيك، فقالوا له: لقد صبئت يا ثمامة، فقال: والله ما صبئت ولكني كنت مع محمد صلى الله عليه وسلم في دينه، ثم قال لهم: والله لا يأتيكم مني جبة إلا بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أهل مكة يأتون منه بالحب؛ يعني: يمتارون منه، فأقسم ألا يعطيهم إلا بعد أن يأذن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن قريشا كتبوا إلى النبي - عليه الصلاة والسلام-: إنك لتصل الرحم وهذا ثمامة منع منا الحب، يستشفعون بالرسول - عليه الصلاة والسلام- فأرسل إليه وأمره أن يأذن لهم بالامتيار من عنده، فهذه قصة الرجل هذا الرجل أسر في سارية المسجد، وإنما أسر في هذه السارية من أجل أن يرى المسلمين وصلاتهم وتحابهم وتعاطفهم وأخلاقهم تأليفا له على الإسلام لا إهانة له؛ لأنه بالإمكان أن يربط خارج المسجد لكنه ربط بالمسجد من اجل هذه الفائدة العظيمة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يمر به ويسأله كما سمعتم.

ففي هذا الحديث فوائد منها: جواز ربط الأسير بسارية المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر ذلك إن لم يكن أمر به.

ومنها: ملاطفة الأسير والإحسان إليه؛ لأن في ذلك تأليف له على الإسلام، وقد عرفتم النيجة.

ومنها: جواز مكث الكافر في المسجد؛ لأن ربطه بسارية في المسجد يستلزم مكثه، فاستدل بعض العلماء بهذا الحديث على جواز لبث الجنب في المسجد، وقالوا: إن الكافر حدثه أعظم من حدث الجنب؛ فإذا جاز لبثه في المسجد جاز لبث الجنب، ولكن هذا قياس في مقابلة النص، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمكث الجنب في المسجد. بل قال الله تعالى: {ولا جنبا إلا عابري سبيل} [النساء: ٤٣].

ومن فوائد هذا الحديث: أمر الكافر إذا أسلم بالاغتسال، هذا إن صح الحديث بهذا اللفظ،

<<  <  ج: ص:  >  >>