يعرفها قبل الحجاب، فاسترجع قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم أناخ بعيره ووطأ على عضده ولم يتكلم بكلمة احترامًا لفراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي لما رأت أنه هيأ لها البعير ركبت، ثم ذهب يقودها لا يمشي وراءها لئلَّا تقع عنه عليها حتى وصل إلى الجيش، وحينئذٍ صارت فرصة عظيمة للمنافقين للقلح في زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم.
أولًا: حد القذف فهو في القرآن الكريم {والذَّين يرمون المحصنات ثمَّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً ولا تقبلوا لهم شهادةً أبدًا وأولئك هم الفاسقون}[النور: ٤]. فرتب الله على القذف ثلاثة أحكام، أولًا: الجلد، والثاني: رد شهادته دائمًا، والثالث: الفسق، ثم قال:{إلَّا الَّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنَّ الله غفورٌ رحيمٌ}[النور: ٥]. وهذا الاستثناء عائد على الأخير بالاتفاق وليس عائدًا على الأول بالاتفاق، واختلفوا في الأوسط هل يعود إليه أو لا؟ على قولين؛ يعني: إذا تاب وأصلح فإنه يزول عنه وصف الفسق ويكون من أهل العدالة ولكنه لا يسقط عنه حد القذف؛ لأنه حق آدمي فيقام عليه الحد، ولكن هل تقبل شهادته بعد التوبة أو لا؟ فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: تقبل توبته؛ لأن الاستثناء عائد إلى الجمل الثلاث كلها، ومنهم من قال: لا تقبل؛ لأن الاستثناء يعود إلى أقرب مذكور، والظاهر أنها تقبل؛ وذلك لأن أصل رد شهادته لفسقه لقوله تعالى:{يا أيُّها الَّذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبإٍ فتبيَّنوا}[الحجرات: ٦]. فإذا زال الفسق بالتوبة زال موجب الرد وحيث يتقبل شهادته، فيكون قوله تعالى:{ولا تقبلوا لهم شهادةً أبدًا}[النور: ٤]. مستثنى منه من تاب، أما حد الثمانين فهذا لمن ذكره الله تعالى بهذا الوصف:{الَّذين يرمون المحصنات}[النور: ٢٣]. فلا بد أن يكون المرمي محصنًا، فمن هو المحصن؟ المحصن هو الحر العاقل العفيف الذي يجامع يمثله وفارق المحسن في باب الزنا؛ لأن المحصن في باب الزنا لا بد أن يكون بالغًا عاقلًا متزوجًا، ولا فرق بين أن يكون عفيفًا أو غير عفيف يقام عليه حد الرجم، لكن هنا لا بد أن يكون المقذوف عفيفًا عن الزنا، وعلى هذا فمن رمى بالزنا من كان متهمًا به فإنه يعزر ولا يقام عليه الحد، ومن رمى بالزنا من لا يتهم به ولا تتطرق إليه التهمة برميه فإنه يعزر، مثل: لو رمى أهل بلد جميعًا وقف عند باب المسجد والناس يخرجون من صلاة الجمعة فقال: يا أيها الناس، كلكم زناة، هل يقام عليه الحد؟ لا؛ لأن هذا لا يقدح فيهم بل يقدح هو في نفسه، يقال: هذا الرجل مجنون، أما لو كان جماعة يمكن حصرهم ويمكن أن يلحقهم العار بقذفه فإنه يحد، إذن صار الحد إنما يجب على من قذف محصنًا، أما من قذف غير محصن فإنه يعذر ولا يقام عليه الحد.