والرسول صلى الله عليه وسلم صابر محتسب يدخل على أهله ولا يتكلم بالكلام الذي كانت تعهده عائشة، ولكن يقول: كيف تيكم أو كيف هاتيكم كلمة واحدة فقط ثم يخرج، واستنكرت عائشة رضي الله عنها منه، لكن ما ظنت هذا الأمر، وفي يوم من الأيام خرجت مع أم مسطح بن أثاثة وكان الناس في ذلك الوقت ليس في بيوتهم مراحيض خرجت لقضاء الحاجة فعثرت فقالت أم مسطح تعس مسطح ألقى الله على لسانها أن تقول هذا الكلام، فقالت عائشة كيف هذا مهاجر شهد بدرًا فكيف تقولين: تعس مسطح؟ فقالت: أما علمت ما يقول؟ قالت: ماذا قال؟ فأخبرتها لأن مسطحًا - رضي الله عنه وعفا عنه - ممن تكلموا في هذا الأمر، فحينئذ أصابها ما أصابها من الغم، وجعلت تبكي ليلًا ونهارًا ولا تذوق نومًا؛ لأن الله عز وجل حكيم يشتد الكرب إذا قرب الفرج، مضى عليها ليلة أو ليلتان على هذه الحال، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم وقال لها: إن كان الأمر قد وقع منك فاستغفري الله وتوبي إليه وجعل يعرض لها، فقالت لأمها وأبيها: أجيبوا رسول الله، قالوا: ما ندري ما نقول؛ لأن الأمر فشا وانتشر، قالت لما قالوا: أجيبي أنت الرسول: ذهب عني كل ما أجد، وكان الأمر لم يكن، وألهمها الله قولًا سديدًا قالت: إن قلت: قد فعلت شيئًا وأنا لم أفعل فإنكم لم تصدقوني، حتى لو قلت: ما فعلت، وإن لم أكن فعلت فسيبرؤني الله عز وجل، انظر ثقتها بالله عز وجل، فما قام النبي صلى الله عليه وسلم من مكانه إلَّا وقد نزل عليه الوحي ببراءتها، فلما تجلى عنه الوحي قال لها: أبشري! بشرها بنزول براءتها من عند الله عز وجل، فكأن أباها وأمها طلبا منها أن تقوم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وتحمده، قالت: والله ما أحمد إلَّا الله عز وجل هو الذي أنزل براءتي، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقال:"من يعذرني في رجل قال في أهلي ما قال؟ "، وتكلم الناس وصار بينهم كلام، منهم من قال: أنا أعذرك يا رسول الله، أضرب عنقه وتشاتموا فيما بينهم، والقصة مشهورة، لكن الرسول هدَّأهم صلى الله عليه وسلم، وأمر أن يحد ثلاثة منهم وهم مسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش، وحسان بن ثابت، هؤلاء الثلاثة - عفا الله عنهم - يصرحون بالأمر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحدُّوا، وانظر حمنة بنت جحش ليست من زوجات الرسول وزينب أختها من زوجات الرسول وكانت هي التي تسامي عائشة، يعني: تضارعها عند الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم زينب عن عائشة قالت: والله لا أعلم عنها إلَّا خيرًا، وأثنت عليها مع أنها ضرَّتها وأختها وقعت فيه،