قام مقام المالك فإذا سرق منه فهي سرقة شرعًا، إذن هل السرقة شرعًا أعم أم السرقة لغة؟ نقول: السرقة لغة أعم، والغالب في جميع التعريفات أن التعريف اللغوي أعم من التعريف الشرعي؛ لأن التعريفات الشرعية متلقاة من الشرع.
ثم إن السرقة من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن السارق، واللعن لا يكون إلَّا على كبيرة من كبائر الذنوب، ولأن فيها حدًّا في الدنيا، وقد ذكر العلماء - رحمهم الله - أن كل ذنب فيه حدٌّ في الدنيا فهو من كبائر الذنوب فهي حرام، ومنزلتها في المحرمات أنها من كبائر الذنوب وتوجب القطع - قطع اليد - لقول الله تعالى:{والسَّارق والسَّارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالًا من الله والله عزيزٌ حكيمٌ}[المائدة: ٣٨]. {والسَّارق والسَّارقة} يعني: من ثبت آنه سارق أو سارقة فاقطعوا والخطاب للأمة ويقصد به أو بالقصد الأول ولاة الأمور، {أيديهما} جمع يد، ومعلوم أنه لا يقطع من الإنسان إلَّا يد واحدة، لكن المتعدد إذا أضيف إلى متعدد فالأفصح فيه الجمع، وقوله:{أيديهما} لم يقيدها - سبحانه وتعالى - فتختص بالكف؛ لأن اليد إذا لم تقيد فهي الكف، والدليل على هذا قوله تعالى في التيمم:{فامسحوا بوجوهكم وأيديكم مِّنه}[المائدة: ٦]. ومعلوم أن التيمم في الكف فقط، وقوله:{أيديهما} في القراءة المشهورة اليد مجملة، أو إن شئت فقل: مبهمة، لكنه فسرها قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حين قال:{فاقطعوا أيمانهما} فيكون المراد باليد: اليد اليمنى، ولأنها هي آلة الآخذ والإعطاء غالبًا، {جزاءً بما كسبا نكالًا من الله}[المائدة: ٣٨]. أي: جزاء بكسبهما؛ أي: بما كسباء من المال المحرم {نكالًا من الله} أي: عقوبة حتى ينكل الناس عن السرقة، {والله عزيزٌ حكيمٌ}[المائدة: ٣٨]. فلعزته وحكمته وحكمه قطع، ويذكر أن أعرابيًا سمع قارئًا يقرأ:{والله غفورٌ رَّحيمٌ} فأمره الأعرابي أن يعيد الآية فقال: {جزاء بما كسبا نكالًا من الله والله غفورٌ رَّحيمٌ}. فأمره فأعاد في الثالثة والرابعة فقال:{والله عزيزٌ حكيمٌ} قال الأعرابي: الآن؛ يعني: الآن أصبت لأنه عزَّ وحكم فقطع، ولو غفر ورحم ما قطع، وصدق الأعرابي لو غفر ورحم ما قطع، ولهذا قال في قطاع الطريق:{إلَّا الَّذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أنَّ الله غفورٌ رَّحيمٌ}[المائدة: ٣٤]. قال العلماء: يؤخذ من هذا أنهم إذا تابوا قبل أن يقدر عليهم سقط عنهم الحد، وظاهر الآية الكريمة:{والسَّارق والسَّارقة فاقطعوا أيديهما}[المائدة: ٣٨]. العموم، وأن السارق يقطع سواء سرق من جرز أو من غير حرز، وسواء سرق قليلًا أو كثيرًا لأن الآية مطلقة:"السارق"، وبهذا أخذ الظاهرية وقالوا كل سارق يقطع ولم يلتفتوا إلى السُّنة، وبعضهم التفت إليها في الذهب فقط، فقالوا: الذهب لا يقطع إلَّا ما بلغ النصاب - أي: نصاب القطع -، وما سوى ذلك فإنه يقطع فيه بالقليل والكثير، ولكن الصحيح أنه لا بد من بلوغ النصاب، ويدل لذلك قوله: