لأن الله عز وجل لا يحابي أحد، ليس بيننا وبين ربنا عز وجل نسب، ولكن بيننا وبينه عبادة، إذا حققنا العبادة والتقوى فنحن أقرب الخلق لله، ولهذا قال:"إنما أهلك من كان قبلكم" تحذيرًا أن يقع الهلاك فينا كما وقع فيمن سبق.
ومن فوائد الحديث: ضرب الأمثال عند الوعظ ترغيبًا أو ترهيبًا، لقوله:"إنما أهلك الذين من قبلكم"، فهذا ضرب أمثال؛ ولهذا قال الله تعالى:{أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الَّذين من قبلهم دمَّر الله عليهم وللكافرين أمثالها}[محمد: ١٠]. سيروا في الأرض انظروا ولا تظنوا أنكم سالمون من عذاب الله.
ومن فوائد الحديث: أن العقوبات المقدرة شرعًا حد، ومعنى كونها حدًّا أنها لا يقصر عينها ولا تتجاوز، فمثلًا: لو أن رجلًا زنى وهو شريف وثبت زناه وأردنا إقامة الحد عليه فقلنا: هذا الرجل شريف نريد أن نقيم عليه الحد خمسين جلدة فقط، فلا يجوز حتى لو كان ضعيف البنية، إن كان ضعيف البنية نستعمل طريقًا آخر وهو {وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به ولا تحنث}[ص: ٤٤]. كذلك أيضًا لو كثر الزنا في الناس، واراد انسان آن يستعمل ما استعمله عمر حين كثر الشرب من الناس فضاعف عليهم العقوبة فهل نفعل هذا؟ لا؛ لأن هذا حد، ومعنى حد أنه لا يقصر عنه ولا يتجاوز مهما أكثر الناس من الزنا، فلا نتعدى حتى ولو تكرر من الشخص نفسه، السرقة إذا تكررت أربع مرات فإنه يغلظ عليه، إذا سرق تقطع اليد اليمنى، ثم الرِّجل اليسرى، ثم اليد اليسرى، ثم الرِّجل اليمنى، حتى يبقى من غير يدين ولا رجلين، وفي الحديث:"إن سرق بعد ذلك فاقتلوه"، لكن قال بعض العامة - لما سمع هذا الحديث -: بأي شيء يسرق؟ نقول: ممكن، لكن الزنا لو تكرر منه ليس له إلا الجلد ما دام غير محصن.
ومن فوائد الحديث - في الوجه الآخر الذي أخرجه مسلم -: بيان كيد النساء، كيف ذلك؟ أنها بدل أن تسطو على الناس في بيوتهم تستعير المتاع وتجحده، وهذا بمعنى السطو، لكته سطو مؤدب.
ومن فوائد ألحديث: جواز الاستعارة، يعني: لا غضاضة عليك إذا استعرت من إنسان شيئًا، ولا يعد هذا من المسألة المذمومة، لكن كلما استغنى الإنسان عن الخلق، ولاسيما في عهدنا وعصرنا فإنه أولى؛ لأن الناس اليوم لا يهتمون إذا حصل أدنى شيء وهو أن يمنَّ عليك بما أعطاك من قبل حتى ولو كان يريد به الأجر، لهذا مهما استغنيت عن الناس فافعل، وكان مما بايع النبي صلى الله عليه وسلم ألَّا يسألوا الناس شيئًا، حتى إن الرجل تسقط عصاه وهو على راحلته فينزل فقد استعار النبي صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية دروعًا، وما زال المسلمون يستعيرون.