هذا الحديث أتى به المؤلف رحمه الله بعد العارية لأحد احتمالين: إما أنه يريد أن يضعف الوجه الثاني في صحيح مسلم وهو أن المرأة قطعت يدها لجحدها العارية، وإما أنه يريد الفرق بين جحد العارية وهذه الصور الثلاث، وهذا هو الأقرب.
قوله:"ليس على خائن"، الخائن: هو الذي يغدر بك عند الائتمان، ومن غدر بك في غير موضع الائتمان فليس بخائن؛ ولهذا صارت الخديعة مما يحمد عليه الإنسان في بعض الأحيان، ويذم عليها في بعض الأحيان، وأما الخيانة فهي مذمومة بكل حال، وانظر إلى قول الله تعالى:{إنَّ المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم}[النساء: ١٤٢]. فذكر أن الله خادعهم؛ لأن الخديعة هي المكر في غير موضع الائتمان، وانظر إلى الخيانة فقد قال الله تعالى:{وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم}[الأنفال: ٧١]. ولم يقل: فخانهم، والفرق ظاهر أن الخيانة غدر في موضع الائتمان، وأما الخديعة فهي الغدر بالإنسان في غير موضع الائتمان؛ ولهذا جاء في الحديث:"الحرب خدعة"، ويذكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أراد أن يبارز عمرو بن ودّ فخرج إليه عمرو وخرج عليّ فصاح به علي وقال: ما خرجت لأبارز رجلين فظن عمرو أن وراءه أحد فالتفت فضربه على عنقه، الخديعة هنا في محلها تمامًا، لأن هذا الرجل جاء ليقتله، فغره بهذه الخديعة حتى قتله.
فالحاصل: أن الخائن هو الغادر في محل الائتمان، ولهذا جاء في الحديث:"لا تخن من خانك"، حتى من جحد مالك وله عندك مال فلا تخته، مثال الخائن في الوديعة، ائتمنته على وديعة فخان.
الثاني: مختلس المختلس: هو الذي يخطف الشئ ويمر به، وإن شئت فقال: هو الذي. يتحين غفلتك حتى يأخذ ما أراد، وهنا يكثر في السُّراق، يأتي اثنان إلى الدكان ويقول أحدهم لصاحب الدكان، كم هذه؟ فيتكلم معه بالمماكسة، والثاني يسرق ويمشي هذا نسميه مختلس، ويذكر أن رجلين في بلد عربي من السُّراق رأيا يهوديًّا قبل مسألة فلسطين فقال أحدهما للآخر: سنوقع هذا اليهودي قال: ماذا نعمل؟ قال: تقدم أنت ومعه بوك - الذي تحفظ به الدراهم - قال: اذهب أمامه وارم بالبوك، وعلى كل حال: الإنسان إذا سقط أمامه بوك إنسان يقول: يا فلان، خذ البوك، وقال: اجعل فيه دينارًا وندعي أن به مائة دينار، تقدم الرجل ورمى بالبوك وأخذه اليهودي فقال: خذ البوك، فقال: إنك لأمين وأثنى عليه خيرًا وفتح البوك، وقال: