يبولن أحدكم في الماء الدائم"، فسره بقوله: "الذي لا يجري" "ثم يغتسل فيه": ذكر المحدثون أن هذه الجملة الأخيرة رويت على ثلاثة أوجه: على الرفع، والنصب، والجزم:
فعلى رواية الجزم نقرؤها هكذا: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه" وتكون معطوفة على "يبولن" لكنها جزمت؛ لأنه لم يتصل بها نون التوكيد، ويكون معنى الحديث: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ولا يغتسل فيه. فيكون هذا الحديث مشتملا على مسألتين كل واحدة مستقلة عن الأخرى:
الأولى: النهي عن البول.
والثانية: النهي عن الاغتسال في الماء الدائم الذي لا يجري.
على رواية النصب: تكون "ثم" هنا ملحقة بواو المعية، وواو المعية بعد النهي يكون الفعل بعدها منصوبا. نقول: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن"؛ أي: مع شرب اللبن، حملوا "ثم" هنا في العمل على الواو، فقالوا: لا يبولن ثم يغتسل، وعلى هذا فيكون المعنى: لا يجمع بين البول والاغتسال.
وعلى رواية الرفع: يكون النهي في مسألة واحدة وهي: البول، ويكون "يغتسل" مستأنفة غير معطوفة على "يبولن" ب "ثم" أي: ثم هو يغتسل فيه، المعنى: أنه من أقبح الأشياء أن شخصا يبول بماء ثم يذهب يغتسل منه، هذا مناف للفطرة؛ لأن المفروض أن الماء إما أن يتنجس بالبول أو تتقذر منه النفس فكيف تبول في شيء ثم تهذب تتطهر به، هذا مناف للفطرة.
ونظيره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجلد الرجل امرأته جلد العبد ثم يضاجعها. المعنى: ثم هو يضاجعها؛ لأن هذا ينافي الفطرة والنفوس، كيف في الصباح تجلدها جلد العبد وتأتي آخر الليل تضاجعها لتستمتع بها، هذا تأباه النفوس في الواقع، وعلى هذا كأنه يقول: لا يبولن أحدكم بالماء الدائم، ثم بعد ذلك يحتاج فيغتسل فيه، وهذا مما تأباه النفوس وتنفر منه.
على كل حال لنجعلها على المعنى الأول: يغتسل فيه؛ فيكون هذا يتضمن النهي عن مسألتين: الأول: البول في الماء الدائم الذي لا يجري؛ لأنه إذا بال فيه استقذرته النفوس، وربما مع كثرة البول وقلة الماء يتغير الماء بالنجاسة فيفسد.
والمسألة الثانية: لا يغتسل في الماء الدائم، وظاهره لا يغتسل لا من جنابة ولا للنظافة بل النهي عام، سيأتي في بعض ألفاظ الحديث التقييد بالجنابة ليوافق حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم، إذن يكون في هذا الحديث نهي عن مسألتين: عن البول في الماء الدائم، وعن