لأنه محيط بها، وأما على كونها يراد بها البعض فهي مأخوذة من السؤر وهو بقية الطعام أو الشراب، "ثم غسل رجليه" تنظيفا وتطهيرا؛ لأنه - كما تعلمون- كان الناس فيما سبق ليس عندهم هذه الحمامات النزيهة الصقيلة فتتلوث الرجل بالطين فتحتاج إلى غسلها مرة أخرى تنظيفا لها.
"ولهما" أي: البخاري، ومسلم من حديث ميمونة:"ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله".
الفائدة قوله:"وغسله بشماله"؛ حيث نصت على أن سل الفرج يكون بالشمال، "ثم ضرب بها الأرض" أي: ضرب بشماله الأرض بعد أن غسل فرجه، وفي لفظ:"أو الحائط مرتين أو ثلاثا"؛ لأن ذلك أبلغ في سرعة إزالة ما علق بها، وكان الماء قليلا يحتاج إلى أن يزاد في الغسل بالضرب على الأرض أو على الحائط ليكون أبلغ في التطهير، وفي رواية:"مسحها بالتراب"؛ وهي بمعنى ضرب بها الأرض، وفي آخره:"ثم أتيته بالمنديل فرده"، وفيه:"وجعل ينفض الماء بيده" رد المنديل، يعني: لم يتمنندل به، "وجعل ينفض الماء بيده" يعني: يسلته عن جسده وينفضه.
هذا الحديث فيه بيان الغسل من الجنابة على الوجه الأكمل كما سمعتم، والواجب: هو أن يفيض الماء على سائر جسده على أي وجه كان سواء بدأ بالوضوء، أو بدأ بالرأس، أو بدأ بالجنب، أو بدأ بالأسفل، المهم أن يعم الماء جميع بدنه.
فإن قال قائل: ما هو الدليل على أن الواجب هو أن يعم الماء جميع البدن؟
قلنا: قوله - تبارك وتعالى-: {وإن كنتم جنبا فاطهروا}[المائدة: ٦]. ولم يذكر الله تعالى البداءة بشيء دون آخر.
فلو قال قائل: هذا لفظ مجمل بينه فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟
قلنا: نعم، هذا وجيه لولا أن السنة جاءت ببيان أنه ليس بواجب، أي: هذه الصفة التي ذكرتها عائشة وهي ما ثبت في البخاري في قصة الرجل الذي اعتزل القوم ولم يصل معهم، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: أصابتني جنابة ولا ماء. فقال:"عليك بالصعيد فإنه يكفيك"، ثم حضر الماء فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ماء، فقال:"خذ هذا فأفرغه على نفسك". ولم يذكر له الكيفية التي ذكرت في حديث عائشة، ولو كانت واجبة لبينها النبي صلى الله عليه وسلم، لأن المقام يحتاج إلى البيان.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجوز للمرأة أن تصرح بما قد يستحيا منه لبيان الحق، لقولها:"إذا اغتسل من الجنابة"، ومعلوم أن أم المؤمنين عائشة هي إحدى زوجاته، وأنه سيكون جنبا منها ومن غيرها، ومثل هذا قد يستحيا منه، لكن إذا كان لبيان الحق فإنه لابد منه.