ولكن الضرورة ما هي؟ ظن بعض الناس أن الضرورة بمعنى الحاجة، وأن المرأة لها أن تطوف إذا أراد أهلها أن ينفوا وإن كان يسهل عليها أن ترجع بعد الطهر وتطوف، ولكن هذا ليس بصحيح، هذا ظن خاطئ وهو غلط على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ لأن شيخ الإسلام رحمه الله فرض المسألة في أمر ضروري: امرأة إذا سافرت لا يمكنها أن ترجع، وحينئذ إذا قلنا بأنها غير محصرة تبقى محرمة مدى الدهر إلى أن تستطيع الرجوع إلى البيت، وإن قلنا: إنها محصرة فاتا الحج، أو العمرة، وهذا خسارة عظيمة، لاسيما النساء اللاتي يأتين من محل بعيد، وأما المرأة الحائض التي تكون في السعودية - عندنا- فيسهل عليها أن تبقى مع محرمها، أو أن تذهب على إحرامها، فإذا طهرت ادت فطافت.
ومن فوائد هذا الحديث: أن ظاهره أنه لا يجوز للمرأة وهي حائض أن تعبر المسجد، وكذلك الجنب لقوله:"لا أحله لحائض ولا جنب"، ولكن قد دلت الأدلة الخرى بجواز عبور المرأة الحائض المسجد، حيث طلب النبي صلى الله عليه وسلم من إحدى أمهات المؤمنين أن تأتي بالخمرة وهي في المسجد - أعني: الخمرة- فقالت: إنها حائض، فقال لها:"إن حيضتك ليست في يدك"، وكذلك الجنب قال الله تعالى:{ولا جنبا إلا عابري سبيل}[النساء: ٤٣]. وعليه فيكون المراد بنفي الإحلال هو المكث، وأما المرور والعبور فلا بأس به، إلا أن العلماء - رحمهم الله- اشترطوا في الحائض أن تأمن تلويث المسجد، فإن كانت لا تأمن بحيث ينزل الدم إلى المسجد فإنه لا يجوز لها أن تمر؛ لأن ذلك يؤدي إلى تنجيس المسجد.
فإن قال قائل: وهل يزول التحريم بالوضوء؟
نقول: أما الجنب فنعم، يزول التحريم بالوضوء، فغذا توضأ جاز له المكث في المسجد؛ لأن هذا هو عمل الصحابة - رضي الله عنهم- من وجه، ومن وجه آخر هذا الوضوء يخفف الجنابة، وأما الحائض فلا؛ لأن الحائض لا يمكن أن يصح منها الوضوء؛ لماذا؟ لأن الحدث باق، ومن شروط صحة الوضوء: ارتفاع الحدث، بمعنى ألا يكون المتوضئ قد استمر به الحدث، إلا من حدث دائم فيجوز وضوءه للضرورة بالشروط المعروفة.
وعلى هذا فنقول: إذا توضأ الجنب جاز له أن يمكث في المسجد فإن انتقض وضوءه بعد ان توضأ فهل يجوز أن يمكث؟ الجواب:"نعم"؛ لأن تخفيف الجنابة حصل بالوضوء؛ ولأن الصحابة يتوضئون وينامون في المسجد، والنوم ينقض الوضوء، ولو كان نقض الوضوء يعد مانعا من المكث في المسجد للجنب لما جاز لهم أن يناموا.