فإن قال قائل: هذا فيما علم به الرسول صلى الله عليه وسلم, والحديث ليس فيه أن الرسول أكل أو علم؟ فنقول: مثل هذا الغالب أنه يشتهر ويعلم به الرسول, لاسيما وأن أسماء بنت أبي بكر قريبة من بيت الرسول صلى الله عليه وسلم فإنها ابنة الصديق وصاحبه الذي هو أخص الناس به وأختها عائشة مع الرسول, فيبعد أن ينحر الفرس في هذا المجتمع القليل ثم لا يعلم به بقية العائلة. ثانيًا: على فرض أنه لم يعلم به فإن الله قد علم بذلك, ولا يقر الله تعالى الأمة على خطأ في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى إن المنافقين الذين يبيتون ما لا يرضى من القول فضحهم الله فقال:{يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول}[النساء: ١٠٨]. إذن ففيه دليل على جواز أكل الفرس, وفيه أيضًا دليل على أن حل الخيل ثابت حتى بعد الجهاد خلافًا لمن قال إن الناس إذا احتاجوها للجهاد صارت حرامًا, ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرض عليه الجهاد في أول ما قدم المدينة, فيكون في هذا الحديث رد على من قال: إنه إذا احتاجها الناس للجهاد حرم أكلها, والصواب أن الناس إذا احتاجوها للجهاد فإنه لا يحرم أكلها لكن يحرم إتلافها فلو تعدى إنسان وأتلفها فهي حلال, وإنما قلنا: يحرم إتلافها من أجل حاجة الناس إليها لا من أجل أنها هي نفسها حرام بل هي حلال.
وفي هذا الحديث: دليل على أن الخيل تنحر, لقولها:"نحرنا", ولكن قد ورد في هذا الحديث في بعض ألفاظه:"ذبحنا", وعليه فيحمل لفظ النحر على الذبح؛ لأن المشروع في غير الإبل الذبح- يجب قطع الأوداج؛ لأن الأوداج بها ينهر الدم, ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شريطة, وهي التي تذبح ولا تفرى أوداجها, إذن الفرس حلال, وأما ما اشتهر عند العامة من أن مؤخره حلال ومقدمه حرام فهذا لا أصل له, وليس في الشريعة الإسلامية حيوان واحد تختلف أجزاؤه, أما اليهود فنعم في شريعتهم بعض الحيوانات يحرم شيء من أجزائها دون كلها, وتعليل العامة في مقدمه حرام مؤخره, حلال, يقولون: لأن المقدم يواجه به العدو الكافر فلا ينبغي أن يؤكل, نحن الآن ذبحناه ما الفائدة هل المقدم بعد الذبح يواجه به العدو؟ لا, لكن على كل حال لا يؤخذ بأحكامهم ولا بتعليلاتهم.