وبناء على هذا التقرير يكون اقتناء الكلاب محرمًا لفوات الأجر به, وأنكر بعض العلماء أن يحمل على ذلك, وقال: لا يمكن أن نحمله على حديث شهود الجنازة؛ لأن حديث شهود الجنازة في فضل على عمل صالح, وهذه عقوبة على عمل غير صالح, ولا يمكن أن يساوي فضل الله بعقوبته؛ لأن رحمة الله سبقت غضبه. وبناء على هذا يقول هذا القائل: أما القيراطان فيمن شهد الجنازة حتى يصلى عليها وتدفن فقد بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأما القيراطان هنا فإنه لم يبينهما, وعلى هذا فنقول: هما أو هو إن كان قيراطًا هو جزء من الأجر معلوم عند الله ورسوله؛ لأننا لا نعلم بذلك, وهذا أسلم, ولكن هل يدل على التحريم؟ سيأتي الكلام إن شاء الله.
في هذا الحديث من الفوائد: تحريم اتخاذ الكلاب إلا ما استثنى وجه التحريم: أن اقتناءها ينقص من أجر الإنسان, والعقوبة قد تكون بحصول مطلوب, وقد تكون بفوات محبوب, وهذا الحديث من أي النوعين؟ من النوع الثاني من فوات المحبوب, لهذا كان القول الراجح أن اقتناء الكلاب حرام.
ومن فوائده: أنه يبين لنا مدى سفه أولئك القوم الذين يقتنون الكلاب من الكفار ومقلدو الكفار, فإن اقتناءهم إياها سفه في العقل وضلال في الدين؛ والعجب أنهم يختارون لها أطيب اللحوم فيعطون الكلب أطيب اللحم, وصاحب الكلب يأكل [الرديء] والكلب يعطى أطيب اللحم, وسمعنا أنهم في كل صباح يغسلونه بالصابون والشامبو, وإذا كان مقر الشياطين هو محل قضاء الحاجة؛ لأنه خبيث, ولأنها خبيثة تأوي إلى الخبيث, هؤلاء أيضًا خبثاء نجس: {إنما المشركون نجس} [التوبة: ٢٨]. ولهذا ألقوا الخبائث.
ومن فوائد الحديث: جواز اقتناء الكلاب لهذه الأغراض الثلاثة: الماشية وهي ما يتخذ من بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم, وإن كان الأكثر اتخاذ الكلاب للماشي؛ لأن الإبل كبيرة وكذلك البقر فتحمي نفسها من الذئاب, ولا يتخذ أهل الماشية الكلاب إلا للغنم لتحميها؛ لأن الكلب وفيَ على أنه كلب فهو وفيَ يطرد الذئاب عن الغنم.
والثاني: كلب الصيد, أما الأول الذي اتخذه للماشية فاتخذه حماية عن الضرر, وأما صاحب الصيد فاتخذ الصيد لكمال التنعم أو للراحة إلى الصيد ينتفع بثمنه.
أما الثالث: كالزرع كلب الزرع حماية لزرعه من السراق وغيره, بل إنه يحمي الزرع من أن يدخل إليها الهوام, إذا دخل بعير أو حمار يأكل الزرع فإن الكلب ينبحه حتى يخرج.