الجارحة قال فيها: "إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله عليه", وقوله: "كلبك" المراد به: الكلب المعلم؛ لأن الكلب قد يعلم وقد لا يعلم, وبماذا يحصل التعليم؟ يحصل تعليم الكلب بكونه يسترسل إذا أرسل, وينزجر إذا زجر, وإذا أمسك لم يأكل, يعني شروطه ثلاثة: الأول: أن يسترسل إذا أرسل, بمعنى: أن صاحبه إذا رأى الصيد استرسل, أما إذا كان لا يسترسل إذا أرسل بمعنى: أنه إذا كان جائعًا استرسل, وإن كان غير جائع سكت" وقال: الراحة زين فهذا ليس بمعلم.
الثاني: أن ينزجر إذا زجر, وتحت هذا شيئان: الأول: أن يتوقف إذا زجر ليوقف بعد أن ينطلق, والثاني: إذا استرسل بنفسه ثم إذا زجرته انطلق لأكثر, هذا أيضًا من التعليم, فإن كان لا ينزجر إذا زجر فإنه ليس بمعلم, لو أنك رأيت الصيد وأشليته به, ثم بعد أن انطلق زجرته ولكنه لم ينزجر ما زال مندفعًا حتى أمسكه؛ فهذا ليس بمعلم؛ لأنه كونه يعصيك إذا زجرته وذهب يقتل الصيد يدل على أنه إنما قتل لنفسه.
الشرط الثالث: إذا أمسك لم يأكل, فإن أكل إذا أمسك فليس بمعلم, ولماذا؟ لأنه إذا أكل دل هذا على أنه إنما أمسك على نفسه, الشرط أن يكون أمسك على صاحبه لقوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم} [المائدة: ٤]. فإذا أكل معناه أمسك لنفسه, وظاهر هذا أنه لا فرق بين أن يكون جائعًا فيأكل للضرورة أو غير جائع فلا يأكل, وهو كذلك؛ لأنه إذا كان غير جائع لم يأكل فقد ترك الأكل لا لأنه أمسك على صاحبه ولكنه شبعان لا يريد, وسيأتي -إن شاء الله- ذكر هذه المسالة. يقول: ""فاذكروا اسم الله عليه", متى؟ عند إرساله, ولو تأخر صيده لو أرسلته عند طلوع الشمس وجعل يطارد الصيد ولم يتمكن منه إلا عند الزوال كانت التسمية مجزئة وصحيحة مع أنه طال الفصل بينه وبين قتل الصيد, هكذا أمر الرسول أن يذكر اسم الله إذا أرسله. كيف يذكر اسم الله عليه؟ يقول إذا أرسله: باسم الله, ويطلق الكلب فمتى صاد الصيد ولو تأخر فإنه حلال. فإن قال قائل: ألستم تقولون: إن التسمية على الذبيحة لا تجزئ إلا إذا كانت عند تحريك السكين للذبح؟ فالجواب: بلى, نقول بهذا, ولم نقل ذلك في الصيد للمشقة, فكان إرسال الآلة سواء كانت جارحة أو غير جارحة كان إرسالها بمنزلة تحريك الذابح يده للذبح.