ومن فوائد هذا الحديث: أن الإحسان شامل لكل شيء، إن قابلت أخاك بوجه طلق فهذا إحسان وإن قابلته بوجه عابس فهذا إحسان! نعم، إذا كانت المصلحة تقتضي أن تقابله بوجه عابس فهذا إحسان، ولهذا نجلد الزاني ونرجمه ويعد ذلك إحساناً له ولغيره أما لغيره فظاهر لأن الإنسان إذا علم أنه فعل الفاحشة حد بالجلد أو بالرجم امتنع وهو إحسان له أيضاً؛ لأن هذا الحد يكون كفارة له لا يعاقب عليه في الآخرة ولا يجمع الله تعالى له بين عقوبتين.
إذن إن قابلت أخاك بوجه طلق فهو إحسان، وبوجه عابس فهو إحسان لكن لابد من قيد وهو إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك، وهل لي أن أقول: إذا قابلت أخاك بوجه منبسط فهو إساءة؟ نعم، يمكن لكن بشرط إذا كان هذا يؤدي إلى تماديه في الإساءة؛ إنسان يعرف أن هذا رجل مجرم، ثم إذا قابله، قابله بوجه الرضا والانبساط، هذا العمل وإن كان خيراً في ذاته لكنه يؤدي إلى مفسدة وهي استمرار هذا المجرم في إجرامه، وبهذا نعرف أن المصالح الشرعية ليست مرتبة على الهيئات والأحوال بل على تحقيق المصالح الخالصة أو الراجحة.
ومن فوائد الحديث: وجوب إحسان القتلة، إذا وجب على الإنسان القتل فإنه يجب إحسان القتلة [بأن] يسلك في قتله أقرب الطرق إلى إزهاق روحه بدون تعذيب، وأقرب شيء في ذلك هو السيف.
ولكن لو قال قائل: إذا وجدنا طريقاً أسهل من القتل بالسيف بأن يقتل بالرصاص على نخاعه أو في رأسه أو بالصعق الكهربائي ألا نسلكه؟ قد يقول قائل: إن الصعق الكهربائي أسهل وقد يقول قائل: ليس بأسهل وحينئذ نرجع إلى رأي الاختصاصيين في هذا ولا يرد على ذلك أن يقال: إن هذا لم يقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم توجد هذه الأداة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أما قتله بالرصاص فهذا قد جرى به العرف الآن كثيراً من الذين يقتلون؛ يقتلون بالرصاص فإذا ثبت أن هذا أسهل فإنه يسلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإحسان القتلة ولم يعين فيرجع إلى أهل الاختصاص في هذا.
هل يقاس على ذلك إذا قطعتم عضواً في قصاص أو في حد فأحسنوا القطع؟ نعم، يدخل في هذا إذا وجب قطع يد قصاصها فلا شك أن من الإحسان أن يبنج من تقطع يده فهل يبنج؟ لا؛ لأننا إذا بنجناه أحسنا من وجه وأسأنا من وجه آخر، أحسنا من جهة إراحة هذا المقطوع لكن أسأنا القصاص؛ لأن الذي اعتدى عليه قد ذاق ألم القطع، وتمام القصاص أن المقتص منه يذوق الألم كما ذاقه الأول.
وفي السرقة هل يجوز أن نستعمل البنج عند قطع يد السارق؟ الجواب: نعم؛ لأن هذا ليس قصاصاً بل المقصود قطع اليد وقد حصل فيفرق بين هذا وهذا.