المعنى إذا قلنا ذكاة الجنين مبتدأ وذكاة أمه هي الخبر صار الحديث يحتمل معنيين الأول أن ذكاة الجنين كذكاة أمه وإلى هذا ذهب أبو حنيفة والظاهرية، وقالوا: إن الجنين إذا ذكيت أمه وخرج ميتاً ولم يذك صار حراماً لأن مراد الرسول في الحديث أن ذكاة الجنين كذكاة أمه.
ويحتمل أن تكون الجملة على غير التشبيه أي: أن ذكاة الجنين بذكاة أمه ويؤيد هذا أنه جاء في بعض ألفاظه ذكاة الجنين بذكاة أمه، أي: أن الأم إذا ذكيت فذكاتها ذكاة لجنينها لا يحتاج أن يذكي مرة أخرى، هذا إذا قلنا: إن ذكاة الجنين مبتدأ وذكاة أمه خبر.
وإذا قلنا بالعكس: ذكاة أمه ذكاة الجنين ذكاة أمه مبتدأ وذكاة الجنين خبر، صار المعنى أن ذكاة الأم ذكاة للجنين ولا يحتمل وجها آخر لكن هذا التقدير فيه إعادة الضمير المتأخر على سابق، فيقال: هذا لا يضر لأن هذا السابق المتقدم لفظاً [فقط] ويجوز عود الضمير على متقدم لفظا متأخر رتبة.
نعود إلى المعنى الأول أن ذكاة الجنين مبتدأ وذكاة أمه خبر فنقول: من جعل هذا على سبيل التشبيه فإن عليه ملاحظتين: الملاحظة الأولى: إذا قلنا: ذكاة الجنين كذكاة أمه صار الحديث ليس له معنى لأنه من المعلوم أن كل حي فإن ذكاته كذكاة الحي الآخر يكون الحديث عديم الفائدة كقول القائل: السماء فوقنا والأرض تحتنا وهذا لا شك أنه لا فائدة فيه.
ثانياً: إذا أخذناه بظاهره قلنا: ذكاة الجنين فهو إذا خرج لم يكن جنيناً وهذا يقتضي أن الحديث يدل على أن الجنين إذا ذكي في بطن أمه فذكاته كذكاة أمه، وهذا لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يريده فتبين بذلك بطلان أن القول الذي يقول المراد بذلك ذكاة الجنين كذكاة الأم تكون بإنهار الدم وهي حي.
فإن قال قائل: لهم أن ينفصلوا عن هذا بقولهم إن المراد بذكاة الجنين اعتبار ما سبق كقوله تعالى: {وءاتوا اليتامى أموالهم}[النساء: ٢] واليتيم لا يعطي ماله إلا إذا بلغ وإذا بلغ لم يكن يتيماً قلنا: هذا خلاف ظاهر اللفظ والأصل أن يحمل الكلام على ظاهره فسقط هذا الجواب.
وخلاصة القول: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه إذا ذبحت البهيمة وهي حامل فإن ذكاتها ذكاة لجنينها لا نحتاج أن نذكيه إذا خرج ميتا أما إن خرج حياً فإنه لابد أن يذكى لأنه انفصل عن أمه وصار مستقلاً فلا تكون ذكاة أمه ذكاة له. وظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يكون هذا الجنين قد أشهر، أي: نبت شعره أم لم يشعر وهو كذلك، حتى لو لم يبق على وضعه إلا ساعات ثم ذبحت الأم وخرج الجنين ميتاً فإنه يكون حلالاً لعموم الحديث والتفصيل بين ما أشهر وبين ما لم يشعر لا دليل عليه.
ومن فوائد الحديث: ما اخترناه أنه الصحيح أن ذكاة الأم ذكاة الجنين.